وقال عروة بن الزّبير : هو خشية الذّم.
وقال الحسن وسعيد : هو الحياء ؛ لأنّه يبعث على التّقوى (١).
وإنما حمل لفظ اللّباس على هذه المجازات ؛ لأنّ اللّباس الذي يفيد التقوى ليس إلّا هذه الأشياء.
وقوله : «ذلك خير» قال أبو عليّ الفارسيّ (٢) : معناه : ولباس التقوى خير لصاحبه إذا أخذ به ، وأقرب إلى الله تعالى مما خلق من اللّباس والرّياش الذي يتجمّل به.
وأضيف اللّباس إلى التّقوى ، كما أضيف إلى الجوع في قوله : (فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ) [النحل : ١١٢].
وقوله : (ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ) أي : الدّالة على فضله ورحمته على عباده ، لعلهم يذّكّرون النّعمة.
قوله تعالى : (يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ)(٢٧)
اعلم أنّ المقصود من ذكر قصص الأنبياء ـ عليهم الصّلاة والسّلام ـ حصول العبرة لمن يسمعها ، فالله ـ تعالى ـ لما ذكر قصّة آدم ، وبيّن فيها شدّة عداوة الشّيطان «كما أخرج أبويكم من الجنّة» ، وذلك لأن الشّيطان لما بلغ بكيده ، ولطف وسوسته إلى أن قدر على إلقاء آدم في الزّلة الموجبة لإخراجه من الجنّة فبأن يقدر على أمثال هذه المضار في حقّ بني آدم (٣) أولى.
فقوله : «لا يفتننّكم» هو نهي للشّيطان في الصّورة ، والمراد نهي المخاطبين عن متابعته والإصغاء إليه ، والمعنى : لا يصرفنكم الشيطان عن الدّين كما فتن أبويكم في الإخراج من الجنّة ، وقد تقدّم معنى ذلك في قوله : (فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ) [الأعراف : ٢].
وقرأ ابن وثّاب (٤) وإبراهيم : «لا يفتننّكم» [بضمّ] حرف المضارعة من أفتنه بمعنى حمله على الفتنة.
وقرأ زيد (٥) بن عليّ : «لا يفتنكم» بغير نون توكيد.
قوله : «كما أخرج» : نعت لمصدر محذوف أي : لا يفتننكم فتنة مثل فتنة إخراج
__________________
(١) ينظر : المصادر السابقة.
(٢) ينظر الرازي ١٤ / ٤٤.
(٣) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ٤٤.
(٤) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٢٨٤ ، والدر المصون ٣ / ٢٥٥.
(٥) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٢٨٤ ، والدر المصون ٣ / ٢٥٥.