فصل في المراد بالآية
معنى الآية : أنّ الشّيطان يراكم يا بني آدم هو وقبيله وجنوده ، وقال ابن عبّاس : «هو وولده» (١).
وقال قتادة : «قبيله الجنّ والشّياطين من حيث لا ترونهم» (٢).
قال مالك بن دينار : إن عدوا يراك ولا تراه لشديد الموتة إلّا من عصم الله.
فصل في بيان رؤية الجن الإنس
قال أهل السّنّة : إنّهم يرون الإنس ؛ لأنه تعالى خلق في عيونهم إدراكا ، والإنس لا يرونهم ؛ لأنّه تعالى لم يخلق هذه الإدراك في عيون الإنس.
وقالت المعتزلة (٣) : الوجه في أنّ الإنس لا يرون الجنّ لرقة أجسام الجنّ ، ولطافتها ، والوجه في رؤية الجن الإنس كثافة أجسام الإنس ، والوجه في أن يرى بعض الجنّ بعضا أنّ الله تعالى يقوي شعاع أبصار الجنّ ويزيد فيه ، ولو زاد تعالى في قوّة أبصارنا على هذه الحالة لرأيناهم وعلى هذا كون الإنس مبصرا للجن موقوف عند المعتزلة إما على زيادة كثافة أجسام الجنّ أو على زيادة قوّة أبصار الإنس.
وقوله (مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) يدل على أنّ الإنس لا يرون الجنّ لأن قوله (مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) يتناول أوقات الاستقبال من غير تخصيص.
فصل في تغير الجن في صور مختلفة
قال بعض العلماء : لو قدر الجنّ على تغيير صور أنفسهم بأي صورة شاءوا وأرادوا ؛ لوجب أن ترتفع الثّقة عن معرفة النّاس فلعلّ هذا الذي أشاهده ، وأحكم عيه بأنّه ولدي ، أو زوجتي جنّي صور نفسه بصورة ولدي أو زوجتي وعلى هذا التقدير فيرتفع الوثوق عن معرفة الأشخاص ، وأيضا ، ولو كانوا قادرين على تخبيط النّاس وإزالة عقولهم عنهم مع أنّه تعالى بين العداوة الشديدة بينهم وبين الإنس ، فلم لا يفعلون ذلك في حق البشر ؛ وفي حقّ العلماء والأفاضل والزهاد؟ لأن هذه العداوة بينهم وبين العلماء والزّهّاد أكثر وأقوى ، ولما لم يوجد شيء من ذلك ثبت أنّه لا قدرة لهم على البشر بوجه من الوجوه ، ويؤكّد ذلك قوله (وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي) [إبراهيم : ٢٢].
قال مجاهد : قال إبليس : أعطينا أربعا : نرى ولا نرى ، ونخرج من تحت الثرى ويعود شيخنا فتى (٤).
__________________
(١) ذكره البغوي في تفسيره ٢ / ١٥٥.
(٢) ذكره البغوي في تفسيره ٢ / ١٥٥.
(٣) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ٤٥.
(٤) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ١٤٢) وعزاه لأبي الشيخ عن مجاهد.