قوله (إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ).
يحتمل أن يكون «جعل» بمعنى «صيّر» ، أي : صيّرنا الشّياطين أولياء.
وقال الزّهراويّ «جعل» هنا بمعنى «وصف» وهذا لا يعرف في جعل وكأنه فرارا من إسناد جعل الشياطين أولياء لغير المؤمنين إلى الله تعالى وكأنّها نزعة اعتزاليّة.
و «للّذين» متعلّقة ب «أولياء» ؛ لأنه في معنى الفعل ، ويجوز أن يتعلّق بمحذوف ؛ لأنّه صفة ل «أولياء».
فصل في المراد ب «أولياء»
معنى «أولياء» أي : أعوانا وقرناء للّذين لا يؤمنون.
قال الزّجّاج : سلطناهم عليهم يزيدون في غيّهم كقوله (أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) [مريم : ٨٣] واحتج أهل السنة بهذا النص على أنّه تعالى هو الذي سلّط الشّيطان عليهم حتى أضلهم واغواهم (١).
وقالت المعتزلة (٢) : معنى قوله : (إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) هو أنّا حكمنا بأنّ الشّيطان ولي لمن لا يؤمن ، قالوا : ومعنى قوله : (أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ) [مريم : ٨٣] هو أنّا خلينا بينهم وبينهم كما يقال لمن لا يربط الكلب في داره ولا يمنعه من الوثوب على الداخل أنّه أرسل عليهم كلبه.
والجواب أن القائل إذا قال : إن فلانا جعل هذا ثوبا أبيض أو أسود ، لم يفهم منه أنّه حكم به بل يفهم منه أنه حصل السّواد أو البياض فيه ، فكذلك هاهنا وجب حمل الجعل على التّأثير والتّحصيل لا على مجرد الحكم وأيضا فهب أنّه تعالى حكم بذلك لكن مخالفة حكم الله توجب كونه كاذبا وهو محال ، والمفضي إلى المحال محال ، فكون العبد قادرا على خلاف ذلك ؛ وجب أن يكون محالا وأما قولهم إن قوله تعالى (أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ) [مريم : ٨٣] أي خلّينا بينهم وبين الكافرين ، فهو ضعيف ؛ ألا ترى أنّ أهل السّوق يؤذي بعضهم بعضا ، ويشتم بعضهم بعضا ثم إنّ زيدا وعمرا إذا لم يمنع بعضهم عن بعض لا يقال إنّه أرسل بعضهم على البعض ، بل لفظ الإرسال إنّما يصدق إذا كان تسلط بعضهم على البعض بسبب من جهته فكذا هاهنا.
قوله تعالى : (وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ)(٢٨)
هذه الجملة الشّرطيّة لا محلّ لها من الإعراب ؛ لأنّها استئنافيّة وهو الظّاهر وجوّز ابن عطيّة (٣) أن تكون داخلة في حيّز الصّلة لعطفها عليها.
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ١٤ / ٤٦.
(٢) ينظر : المصدر السابق.
(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٣٩١.