قوله تعالى : (فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ) (٣٠)
في نصب «فريقا» وجهان :
أحدهما : أنّه منصوب ب «هدى» بعده ، و «فريقا» الثّاني منصوب بإضمار فعل يفسّره قوله : «حقّ عليهم الضّلالة» من حيث المعنى والتّقدير : وأضلّ فريقا حقّ عليهم.
[قال القرطبيّ (١) : وأنشد سيبويه : [المنسرح]
٢٤٥٢ ـ أصبحت لا أحمل السّلاح ولا |
|
أملك رأس البعير إن نفرا |
والذّئب أخشاه إذ مررت به |
|
وحدي وأخشى الرّياح والمطرا (٢) |
قال الفرّاء : ولو كان مرفوعا لجاز](٣) ، وقدّره الزمخشريّ : «وخذل فريقا» لأجل مذهبه.
والجملتان الفعليتان في محلّ نصب على الحال من فاعل «بدأكم» أي : بدأكم حال كونه هاديا فريقا ومضلّا آخر.
و «قد» مضمرة عند بعضهم ، ويجوز على هذا الوجه أيضا أن تكون الجملتان الفعليّتان مستأنفتين ، فالوقف على «يعودون» على هذا الإعراب تام ، بخلاف ما إذا جعلتهما حالين ، فالوقف على قوله : «الضّلالة».
الوجه الثاني : أن ينتصب «فريقا» على الحال من فاعل «تعودون» [أي : تعودون] فريقا مهديّا ، وفريقا حاقّا عليه الضلالة ، وتكون الجملتان الفعليّتان على هذا في محلّ نصب على النّعت ل «فريقا» و «فريقا» ، ولا بدّ حينئذ من حذف عائد على الموصوف من «هدى» أي : فريقا هداهم ، ولو قدّرته «هداه» بلفظ الإفراد لجاز ، اعتبارا بلفظ «فريق» ، إلّا أنّ الأوّل أحسن لمناسبة قوله : «وفريقا حقّ عليهم» ، والوقف حينئذ على قوله : «الضّلالة» ، ويؤيّد إعرابه حالا قراءة أبي بن كعب (٤) : «تعودون فريقين : فريقا هدى ، وفريقا حقّ عليهم الضّلالة» ف «فريقين» نصب على الحال ، و «فريقا» وفريقا بدل ، أو منصوب بإضمار أعني على القطع ، ويجوز أن ينتصب «فريقا» الأول على الحال من فاعل
__________________
(١) ينظر : تفسير القرطبي ٧ / ١٢١.
(٢) البيتان للربيع بن ضبع الفزاري. ينظر الكتاب ١ / ٩٠ ، وحماسة البحتري ص ٢٠١ ، وأمالي المرتضى ١ / ٢٥٦ ، وخزانة الأدب ٧ / ٣٨٤ ، والدرر ٥ / ٢٢ ، وشرح التصريح ٢ / ٣٦ ، واللسان (ضمن) ، والمقاصد النحوية ٣ / ٣٩٧ ، ونوادر أبي زيد ص ١٥٩ ، والأشباه والنظائر ٧ / ١٧٣ ، وأوضح المسالك ٣ / ١١٤ ، والرد على النحاة ص ١١٥ ، والمحتسب ٢ / ٩٩ ، والقرطبي ٧ / ١٢١.
(٣) سقط في أ.
(٤) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٣٩٢ ، والبحر المحيط ٤ / ٢٩٠ ، والدر المصون ٣ / ٢٥٩.