نطوف بثياب (١) أصبنا فيها الذّنوب ، ومنهم من يقول : نفعل ذلك تفاؤلا حتى نتعرى من الذّنوب كما تعرّينا عن الثياب ، وكانت المرأة منهم تتخذ سترا تعلّقه على حقويها لتستتر به عن الحمس وهم قريش ، فإنّهم كانوا لا يفعلون ذلك ، وكانوا يطوفون في ثيابهم ، ولا يأكلون من الطعام إلّا قوتا.
قال الكلبيّ : كانت بنو عامر لا يأكلون في أيّام حجّهم من الطعام إلا قوتا ، ولا يأكلون دسما ، يعظّمون بذلك حجهم فقال المسلمون يا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فنحن أحقّ أن نفعل ذلك فنزلت هذه الآية (٢).
و «كلوا» يعني : اللحم والدسم.
(وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا) بتحريم ما أحلّ الله لكم من اللحم والدسم.
(إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الذين يفعلون ذلك.
قال ابن عباس : «كل ما شئت ، والبس ما شئت ، ما أخطأتك خصلتان : سرف ومخيلة» (٣).
قال عليّ بن الحسين بن واقد : وقد جمع الله الطبّ كلّه في نصف آية فقال : (كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا).
فصل في معنى «الزينة»
المراد من الزّينة لبس الثياب لقوله تعالى : (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَ) [النور : ٣١]. يعني: الثّياب.
والزينة لا تحصل إلا بالسّتر التام للعورات ، ولذلك صار التزين بأخذ الثياب في الجمع والأعياد سنّة ، فوجب حمل الزينة على ستر العورة.
وقد أجمع المفسرون على أن المراد بالزّينة هنا لبس الثياب التي تستر العورة ، وقد أمر بها بقوله : (خُذُوا زِينَتَكُمْ) ، والأمر للوجوب ، فثبت أنّ أخذ الزّينة واجب ، وكل ما سوى اللبس فهو (٤) واجب ، فوجب حمل الزّينة على اللبس عملا بالنّصّ بقدر الإمكان ، فدلّ على وجوب ستر العورة عند إقامة الصّلاة.
فإن قيل : إنّه عطف عليه قوله : (كُلُوا وَاشْرَبُوا) ، وذلك أمر إباحة ، فوجب أن يكون قوله : (خُذُوا زِينَتَكُمْ) أمر إباحة أيضا والجواب لا يلزم من ترك الظّاهر المعطوف تركه في
__________________
(١) في أ : من ثياب.
(٢) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٤ / ٥٠) عن ابن عباس.
(٣) ذكره السيوطي بهذا اللفظ في «الدر المنثور» (٣ / ١٤٩) وعزاه لعبد بن حميد وابن أبي شيبة.
وأخرجه الطبري (٥ / ٤٧٢) عن ابن عباس بمعناه.
(٤) في أ : فغير.