المعطوف عليه وأيضا فدلالة الاقتران (١) ضعيفة ، وأيضا الأكل والشرب قد يكونان واجبين أيضا في الجملة.
فإن قيل هذه الآية وردت في المنع من الطواف حال العري.
فالجواب : أن العبرة بعموم اللّفظ لا بخصوص السّبب.
إذا ثبت ذلك فقوله : (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) يقتضي وجوب اللّبس التّام عند كل صلاة ؛ لأن اللبس التام هو الزينة.
ترك العمل به في القدر الذي لا يجب ستره من الأعضاء إجماعا ، فبقي الباقي داخلا تحت اللفظ.
فصل في الأصل في الأكل الحل
قوله : (كُلُوا وَاشْرَبُوا) مطلق ، يتناول جميع المطعومات والمشروبات ، فوجب أن يكون الأصل فيها الحلّ في كل الأوقات إلا ما خصّه الدّليل المنفصل ، والعقل يؤكده ؛ لأنّ الأصل في المنافع الحلّ والإباحة.
فصل في وجوب ستر العورة
قال القرطبيّ (٢) : دلّت هذه الآية على وجوب ستر العورة ، وعلى إباحة الأكل والشرب ما لم يكن سرفا ، فأمّا ما تدعو الحاجة إليه وهو ما يسدّ الجوعة ويسكن الظمأ مندوب إليه عقلا وشرعا ؛ لما فيه من حفظ النّفس وحراسة الحواس ، ولذلك ورد الشّرع بالنّهي عن الوصال ؛ لأنّه يضعف الجسد ، ويضعف عن العبادة.
قوله : (وَلا تُسْرِفُوا).
__________________
(١) قال بها المزني وابن أبي هريرة والصيرفي منا ، وأبو يوسف من الحنفية ، ونقله الباجي عن نصّ المالكية. (قال) : ورأيت ابن نصر يستعلها كثيرا. وقيل : إن مالكا احتج في سقوط الزكاة عن الخيل بقوله تعالى : وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً [النحل : ٨] فقرن في الذكر بين الخيل والبغال والحمير ، والبغال والحمير لا زكاة فيها إجماعا ، فكذلك الخيل.
وأنكرها الجمهور فيقولون : القران في النظم لا يوجب القران في الحكم ، وصورته أن يدخل حرف الواو بين جملتين تامتين ، كل منهما مبتدأ وخبر ، أو فعل وفاعل ، بلفظ يقتضي الوجوب في الجميع أو العموم في الجميع ، ولا مشاركة بينهما في العلة ، ولم يدل دليل على التسوية بينهما ، كقوله تعالى : (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) [الأنعام : ١٤] وقوله : (فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ) [النور : ٣٣] ، وكاستدلال المخالف في أن استعمال الماء ينجسه بقوله عليهالسلام : «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه من الجنابة» لكونه مقرونا بالنهي عن البول فيه ، والبول فيه يفسده ، فكذلك الاغتسال فيه. وهو غير مرضي عند المحققين ، لاحتمال أن يكون النهي عن الاغتسال فيه لمعنى غير المعنى الذي منع من البول فيه لأجله ، ولعل المعنى في النهي عن الاغتسال لا ترتفع جنابته ، كما هو مذهب الحصري من أصحابنا. ينظر البحر المحيط ٦ / ٩٩.
(٢) ينظر : تفسير القرطبي ٧ / ١٢٣.