أحدها : أنّه منصوب على المصدر بفعل من لفظه تقديره : وتذكر ذكرى أي تذكيرا.
الثاني : [أنها] في محلّ نصب نسقا على موضع «لتنذر» فإن موضعه نصب ، فيكون إذ ذاك معطوفا على المعنى ، وهذا كما تعطف الحال الصريحة على الحال المؤوّلة كقوله تعالى : (دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً) [يونس : ١٢] ، ويكون حينئذ مفعولا من أجله كما نقول: «جئتك لتكرمني وإحسانا إليّ».
الثالث : قال أبو البقاء (١) : ـ وبه بدأ ـ : «إنّها حال من الضمير في «أنزل» وما بينهما معترض». وهذا سهو فإنّ «الواو» مانعة من ذلك ، وكيف تدخل الواو على حال صريحة؟
والجرّ من وجهين أيضا.
أحدهما : العطف على المصدر [المنسبك من «أن» المقدّرة بعد لام كي ، والفعل ، والتّقدير : للإنذار والتّذكير.
والثاني : العطف] على الضّمير في «به» ، وهذا قول الكوفيّين ، والذي حسّنه كون «ذكرى» في تقدير حرف مصدري ـ وهو «أن» ـ والفعل ولو صرح ب «أن» لحسن معها
حذف حرف الجرّ ، فهو أحسن من «مررت بك وزيد» إذ التّقدير : لأن تنذر به وبأن تذكّر.
وقوله : «للمؤمنين» يجوز أن تكون «اللّام» مزيدة في المفعول به تقوية له ؛ لأنّ العامل فرع ، والتقدير : وتذكّر المؤمنين.
ويجوز أن يتعلّق بمحذوف ؛ لأنّه صفة ل «ذكرى».
فصل في معنى الآية
قال ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ يريد موعظة للمصدّقين (٢).
فإن قيل : لم قيّد هذه الذّكرى بالمؤمنين؟
فالجواب : هو نظير قوله : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) [البقرة : ٢].
قال ابن الخطيب (٣) : والبحث العقليّ فيه أنّ النّفوس البشريّة على قسمين : بليدة جاهلة بعيدة عن عالم الغيب غريقة في طلب اللّذّات الجسمانيّة ، ونفوس شريفة مشرقة بأنوار الإلهيّة ، فبعثة الأنبياء في حق القسم الأول للإنذار والتّخويف فإنّهم لمّا غرقوا في نوم الغفلة ورقدة الجهالة احتاجوا إلى موقظ يوقظهم.
وأمّا في حقّ القسم الثّاني فتذكير وتنبيه ؛ لأنه ربما غشيها من غواشي عالم الجسم فيعرض لها نوع ذهول وغفلة ، فإذا سمعت دعوة الأنبياء واتّصل لها أنوار أرواح رسل
__________________
(١) ينظر : الإملاء ١ / ٢٦٨.
(٢) ذكره الفخر الرازي في «التفسير الكبير» (١٤ / ١٥) عن ابن عباس.
(٣) ينظر : الفخر الرازي ١٤ / ١٥.