قيل : المراد أن يأكل ويشرب بحيث لا يتعدّى إلى الحرام ، ولا يكثر الإنفاق المستقبح ، ولا يتناول مقدارا كثيرا يضرّ به.
وقال أبو بكر الأصمّ (١) : المراد بالإسراف قولهم : تحريم البحيرة والسّائبة ، فإنّهم أخرجوها عن ملكهم ، وتركوا الانتفاع بها ، وحرّموا على أنفسهم في الحجّ أشياء أحلّها الله لهم ، وذلك إسراف.
واعلم أنّ حمل لفظ الإسراف على الاستكثار [و] مما لا ينبغي أولى من حمله على المنع مما يجوز وينبغي.
وقوله : (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) نهاية في التهديد ؛ لأن كل من لا يحبّه الله يبقى محروما عن الثّواب ؛ لأنّ معنى محبّة الله للعبد إيصال الثّواب إليه ، فعدم هذه المحبّة عبارة عن عدم حصول الثّواب ، ومتى لم يحصل الثّواب فقد حصل العقاب لانعقاد الإجماع على أنّه ليس في الوجود مكلّف لا يثاب ولا يعاقب.
قوله تعالى : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)(٣٢)
قال القرطبي (٢) : لما بيّن أنّهم حرّموا من تلقاء أنفسهم ما لم يحرمه الله عليهم ، بيّن هنا إباحة الزّينة ، والمراد بها الملبس الحسن إذا قدر عليه صاحبه وقيل : جميع الثّياب.
وهذا استفهام معناه التّوبيخ والإنكار ، وإذا كان للإنكار فلا جواب له ؛ إذ لا يراد به استعلام ، ولذلك نسب مكيّ (٣) إلى الوهم في زعمه أنّ قوله : (قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا). إلى آخره» جوابه.
قوله : «زينة الله» قال ابن عباس وأكثر المفسرين : المراد به اللّباس الذي يستر العورة(٤).
وقيل : جميع أنواع الزينة ، فيدخل فيه جميع أنواع الملبوس ، ويدخل تحته تنظيف البدن من جميع الوجوه ، ويدخل تحته الرّكوب وأنواع الحلي ؛ لأنّ كل ذلك زينة ، ولو لا النّص الوارد في تحريم الذّهب والإبريسم على الرّجال لكان داخلا تحت هذا العموم.
ويدخل تحت الطيّبات من الرّزق كلّ ما يستلذّ ويشتهى من أنواع المأكولات والمشروبات ، ويدخل تحته التّمتع بالنّساء والطيب.
روي عن عثمان بن مظعون أنّه أتى النّبيّ صلىاللهعليهوسلم وقال : «غلبني حديث النّفس عزمت أن أختصي ، فقال : مهلا يا عثمان ، إن خصاء أمتي الصّيام ، قال : إنّ نفسي تحدثني
__________________
(١) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ٥٢.
(٢) ينظر : تفسير القرطبي ٧ / ١٢٥.
(٣) ينظر : المشكل ١ / ٣١٣.
(٤) ذكره الرازي في تفسيره (١٤ / ٥٢).