والدليل على أنّ أبا بكر كان هو الأمير ، أنّ عليّا لمّا لحقه قال : أمير أو مأمور؟ فقال : مأمور ، ثم ساروا وقال أبو هريرة «بعثني أبو بكر في تلك الحجّة في مؤذنين يوم النّحر ، يؤذّن بمنى ألّا يحجّ بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان».
قوله وأذان. رفع بالابتداء ، أي : أذان صادر ، أو إعلام واصل ، ومن الله إمّا صفة ، أو متعلق به ، وإلى النّاس الخبر ، ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي : وهذا إعلام ، والجارّان متعلقان به ، كما تقدّم في براءة. قال أبو حيّان (١) : «ولا وجه لقول من قال : إنه معطوف على «براءة» ، كما لا يقال «عمرو» معطوف على «زيد» في : زيد قائم وعمرو قاعد».
وقرأ الضحاك (٢) وعكرمة وأبو المتوكل «وإذن» بكسر الهمزة وسكون الذّال ، وقرأ العامّة «أن الله» بفتح الهمزة على أحد وجهين ، إمّا كونه خبرا ل «أذان» ، أي : الإعلام من الله براءة من المشركين. وضعّف أبو حيان هذا الوجه ، ولم يذكر تضعيفه. وإمّا على حذف حرف الجرّ ، أي : بأنّ الله ، ويتعلّق هذا الجارّ إمّا بنفس المصدر ، وإمّا بمحذوف على أنه صفة ويوم منصوب بما تعلّق به الجارّ في قوله إلى النّاس. وزعم بعضهم أنّه منصوب ب «أذان» وهو فاسد من وجهين :
أحدهما : وصف المصدر قبل عمله.
الثاني : الفصل بينه وبين معموله بأجنبي ، وهو الخبر ، وقرأ (٣) الحسن والأعرج بكسر الهمزة وفيه المذهبان المشهوران ، مذهب البصريين إضمار القول ، ومذهب الكوفيين إجراء الأذان مجرى القول.
فصل
والأذان : الإعلام ، قال الأزهري (٤) : «آذنته إيذانا. فالأذان يقوم مقام الإيذان ، وهو المصدر الحقيقي» ومنه : أذان الصّلاة ، ومنه قوله عليه الصّلاة والسّلام للّاتي غسّلن ابنته زينب : «فإذا فرغتن فآذنّني» (٥) أي : أعلمنني ، فلمّا فرغنا آذنّاه ، أي : أعلمناه ، والأذان معروف.
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٩.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٨ ، الدر المصون ٣ / ٤٤١.
(٣) ينظر : المصدر السابق.
(٤) ينظر : تهذيب اللغة ١٥ / ١٦.
(٥) أخرجه البخاري (٣ / ١٥٧) كتاب الجنائز : باب هل تكفن المرأة في إزار الرجل حديث (١٢٥٧ ، ١٢٥٨ ، ١٢٥٩) ومسلم (٢ / ٦٤٦ ـ ٦٤٧) باب في غسل الميت (٣٦ / ٩٣٩) وأبو داود (٢ / ٦٠ ـ ٦١) والنسائي (١ / ٢٦٦ ـ ٢٦٧) والترمذي (٢ / ١٣٠ ـ ١٣١) وابن ماجه (١ / ٤٤٥) وأحمد (٥ / ٨٤ ـ ٨٥) من حديث أم عطية.
وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح.