قوله : (قُلْ لَنْ يُصِيبَنا) قال عمر بن شقيق : سمعت «أعين» قاضي الرّيّ (١) يقرأ «لن يصيبنا» بتشديد النون.
قال أبو حاتم : ولا يجوز ذلك ؛ لأنّ النّون لا تدخل مع «لن» ، ولو كانت لطلحة بن مصرف ، لجاز ، لأنها مع «هل» ، قال الله تعالى (هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ) [الحج : ١٥].
يعني أبو حاتم : أنّ المضارع يجوز توكيده بعد أداة الاستفهام ، وابن مصرف يقرأ «هل» (٢) بدل «لن» ، وهي قراءة ابن مسعود. وقد اعتذر عن هذه القراءة بأنّها حملت «لن» على «لم» و «لا» النافيتين ، و «لم» و «لا» يجوز توكيد الفعل المنفيّ بعدهما.
أمّا «لا» فقد تقدم تحقيق الكلام عليها في الأنفال. وأما «لم» فقد سمع ذلك فيها ؛ وأنشدوا : [الرجز]
٢٧٩٢ ـ يحسبه الجاهل ما لم يعلما |
|
شيخا على كرسيّه معمّما (٣) |
أراد : «يعلمن» فأبدل الخفيفة ألفا بعد فتحة ، كالتنوين. وقرأ القاضي (٤) أيضا ، وطلحة «هل يصيبنا» بتشديد الياء. قال الزمخشريّ : ووجهه أن يكون «يفيعل» لا «يفعّل» لأنّه من ذوات الواو ، كقولهم : الصّواب ، وصاب يصوب ، ومصاوب ، في جمع «مصيبة» فحقّ «يفعّل» منه «يصوّب» ، ألا ترى إلى قولهم : صوّب رأيه ، إلّا أن يكون لغة من يقول : صاب السّهم يصيب ؛ كقوله : [المنسرح]
٢٧٩٣ ـ ......... |
|
أسهمي الصّائبات والصّيب (٥) |
يعني : أن أصله «يصويب» فاجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون ، فقلبت الواو ياء ، وأدغم فيها. وهذا كما تقدم في «تحيّز» أنّ أصله «تحيوز» ، وأمّا إذا أخذناه من لغة من يقول : صاب السّهم يصيب ، فهو من ذوات الياء فوزنه على هذه اللغة «فعّل».
فصل
المعنى : قل لهم يا محمد (لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللهُ لَنا) أي : علينا ، وقدره في اللوح المحفوظ ، أو يكون المعنى (لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللهُ لَنا) أي : في عاقبة أمرنا من
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٤٢ ، البحر المحيط ٥ / ٥٣ ، الدر المصون ٣ / ٤٧١.
(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٤٢ ، البحر المحيط ٥ / ٥٣ ، الدر المصون ٣ / ٤٧١.
(٣) تقدم.
(٤) ينظر : الكشاف ٢ / ٢٧٨ ، المحرر الوجيز ٣ / ٤٢ ، البحر المحيط ٥ / ٥٣ ، الدر المصون ٣ / ٤٧١.
(٥) عجز بيت للكميت وصدره :
واستبى الكاعب المقليّة إذ
ينظر : المحتسب ١ / ٢٩٤ روح المعاني ١٠ / ١١٥ الدر المصون ٣ / ٤٧٢ واللسان ٤ / ٢٥٣٢.