الظفر بالعدو ، والاستيلاء عليهم. وقال الزجاج : المعنى : إذا صرنا مغلوبين ، صرنا مستحقين للأجر العظيم ، والثّواب الكثير ، وإن صرنا غالبين ، صرنا مستحقين للثواب في الآخرة وفزنا بالمال الكثير ، والثناء الجميل في الدنيا والصحيح الأول.
ثم قال : (هُوَ مَوْلانا) ناصرنا ، وحافظنا. قال الكلبي «هو أولى بنا من أنفسنا ، في الحياة والموت». (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) وهذا كالتنبيه على أن حال المنافقين بالضد من ذلك ، وأنهم لا يتوكلون إلا على الأسباب الدنيوية الفانية.
فصل
(قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ) الآية.
هذا الجواب الثاني عن فرح المنافقين بمصائب المؤمنين ، أي : (هَلْ تَرَبَّصُونَ) ، أي : تنتظرون ، «بنا» أيها المنافقون ، (إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ) إمّا النصر والغنيمة ، فيحصل لنا الفوز بالأموال في الدنيا والنصر ، والفوز بالثواب العظيم في الآخرة ، وإمّا الشهادة ، فيحصل لنا الثواب العظيم في الآخرة.
قوله : (إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ) مفعول «تربّص» ، فهو استثناء مفرغ. وقرأ ابن (١) محيصن : «إلا احدى» بوصل ألف «إحدى» ؛ إجراء لهمزة القطع مجرى همزة الوصل ؛ فهو كقول الشاعر : [الرجز]
٢٧٩٤ ـ إن لم أقاتل فالبسوني برقعا (٢)
وقول الآخر : [الكامل]
٢٧٩٥ ـ يا با المغيرة ربّ أمر معضل |
|
فرّجته بالمكر منّي والدّها (٣) |
قوله : (وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ) إحدى السوأتين إمّا (أَنْ يُصِيبَكُمُ اللهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ) فيهلككم كما أهلك تلك الأمم الخالية ، (أَوْ بِأَيْدِينا) أي : بأيدي المؤمنين ، إن أظهرتم ما في قلوبكم من النفاق ، فيقع بكم القتل والنّهب مع الخزي والذلّ ، ومفعول : التربص (أَنْ يُصِيبَكُمُ) ثم قال : «فتربّصوا» أي : إحدى الحالتين الشريفتين (إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ) أي : مواعيد الله من إظهار دينه ، واستئصال من خالفه ، فقوله : «فتربّصوا» وإن كان صيغة أمر ، إلّا أنّ المراد منه : التهديد ، كقوله : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) [الدخان : ٤٩].
قوله تعالى : (قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً) الآية.
«طوعا ، أو كرها» مصدران في موضع الحال ، أي : طائعين ، أو كارهين. وقرأ (٤)
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٤٤ ، البحر المحيط ٥ / ٥٣ ، الدر المصون ٣ / ٤٧٣.
(٢) تقدم.
(٣) تقدم.
(٤) ينظر : حجة القراءات ص (٣١٩) ، إتحاف فضلاء البشر ٢ / ٩٣ ، البحر المحيط ٥ / ٥٤ ، الدر المصون ٣ / ٤٧٢.