و «لعلّ» ، و «كأنّ» لفظا ومعنى ، بخلافه مع «إنّ» ، و «أنّ» ، فإنّ معناه معهما باق. وقرأ عيسى بن (١) عمر ، وزيد بن علي وابن أبي إسحاق «ورسوله» بالنّصب ، وفيه وجهان :
أظهرهما : أنه عطف على لفظ الجلالة ، والثاني : أنه مفعول معه.
قاله الزمخشريّ. وقرأ (٢) الحسن «ورسوله» بالجرّ ، وفيها وجهان :
أحدهما : أنه مقسم به ، أي : ورسوله إن الأمر كذلك ، وحذف جوابه لفهم المعنى.
والثاني : أنه على الجواز ، كما أنهم نعتوا وأكّدوا على الجواز ، وقد تقدّم تحقيقه. وهذه القراءة يبعد صحتها عن الحسن ، للإبهام ، حتّى يحكى أنّ أعرابيا سمع رجلا يقرأ «ورسوله» بالجر ، فقال الأعرابيّ : إن كان الله قد برىء من رسوله فأنا بريء منه ، فلبّبه (٣) القارىء إلى عمر ـ رضي الله عنه ـ فحكى الأعرابيّ الواقعة ، فحينئذ أمر عمر بتعليم العربيّة. ويحكى أيضا هذه عن أمير المؤمنين عليّ ، وأبي الأسود الدّؤلي ـ رضي الله عنهما ـ قال أبو البقاء : «ولا يكون عطفا على «المشركين» لأنّه يؤدي إلى الكفر». وهذا واضح.
فصل
قال بعض المفسرين قوله : (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) جملة تامة مخصوصة بالمشركين ، وقوله : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) جملة أخرى ثانية معطوفة على الجملة الأولى ، وهي عامة في حق جميع النّاس ؛ لأنّ ذلك يجب أن يعرفه المؤمن والمشرك ، من حيث إنّ الحكم المتعلق بذلك يلزمهما جميعا ، فيجب على المؤمنين أن يعرفوا الوقت الذي يباح فيه القتال من الوقت الذي يحرم فيه ، فأمره تعالى بهذا الإعلام يوم الحج الأكبر ، وهو الجمع الأعظم ، ليصل ذلك الخبر إلى الكل ، فيشتهر. وفي هذا العطف الإشكال الذي ذكره أبو حيان في صدر الآية عند قوله (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ).
فصل
اختلفوا في يوم الحجّ الأكبر ، فقال ابن عباس في رواية عكرمة «إنّه يوم عرفة» وهو قول عمر ، وسعيد بن المسيب ، وابن الزبير ، وعطاء ، وطاووس ، ومجاهد ، وإحدى الروايتين عن علي(٤) ، ورواية المسور بن مخرمة عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قال : خطب رسول
__________________
(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٢٤٥ ، المحرر الوجيز ٢ / ٧ ، البحر المحيط ٥ / ٧ ، الدر المصون ٣ / ٤٤٢.
(٢) انظر السابق.
(٣) لبب الرجل جمع ثيابه عند نحره في الخصومة ثم جره اللسان [لبب].
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٣١٠ ـ ٣١١) عن عمر وعلي وابن عباس وعطاء ومجاهد وأبي جحيفة.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٣٨٢) عن عمر بن الخطاب وزاد نسبته إلى ابن سعد وابن أبي شيبة وابن أبي حاتم وأبي الشيخ وذكره البغوي في تفسيره (٢ / ٢٦٨) عن ابن عباس وعمر وابن الزبير وقال : وهو قول عطاء وطاوس ومجاهد وسعيد بن المسيب.