قال الكلبي ، ومقاتل ، وقتادة : إنّ النبي صلىاللهعليهوسلم كان يسير في غزوة تبوك وبين يديه ثلاثة نفر من المنافقين ، اثنان يستهزئان بالقرآن والرسول ، والآخر يضحك (١).
قيل : كانوا يقولون : إنّ محمدا يزعم أنه يغلب الروم ، ويفتح مدائنهم ، هيهات هيهات ما أبعده عن ذلك.
وقيل : كانوا يقولون : إنّ محمدا يزعم أنّه نزل في أصحابنا المقيمين بالمدينة قرآن ، وإنما هو قوله وكلامه ، فأطلع الله نبيه صلىاللهعليهوسلم على ذلك فقال : «احبسوا الرّكب عليّ» فدعاهم وقال لهم : «قلتم كذا وكذا» فقالوا : إنّما كنّا نتحدث ونخوض في الكلام ، كما يفعل الرّكب لقطع الطريق بالحديث واللعب.
قال ابن عمر : رأيت عبد الله بن أبيّ يشتد قدام النبي صلىاللهعليهوسلم والحجارة تنكيه ، وهو يقول : (إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ). ورسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول (أَبِاللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ). ولا يلتفت إليه (٢).
وقال أبو مسلم : قوله : (يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ) [التوبة : ٦٤] إنّ القوم أظهروا هذا الخبر استهزاء ، فبيّن تعالى في هذه الآية أنّه إذا قيل لهم : لم فعلتم ذلك؟ قالوا : لم نقل ذلك إلّا لأجل أنا كنا نخوض ونعلب.
فصل في بيان أصل الخوض
قال الواحديّ : أصل الخوض الدخول في مائع مثل الماء والطين ، ثم كثر حتى صار اسما لكل دخول فيه تلويث وأذى ، والمعنى : إنّما كنّا نخوض في الباطل من الكلام كما يخوض الركب لقطع الطريق ، فأجابهم الرسول بقوله : (أَبِاللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ).
قوله : «.. أبالله ..» متعلق بقوله : «تستهزئون». و «تستهزئون» خبر «كان» وفيه دليل على تقديم خبر «كان» عليها ؛ لأنّ تقديم المعمول يؤذن بتقديم العامل ، وقد تقدّم معمول الخبر على «كان» فليجز تقديمه بطريق الأولى. وفيه بحث ، وذلك أنّ ابن مالك قدح في هذا الدّليل ، بقوله تعالى : (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) [الضحى : ٩ ، ١٠] قال : ف «اليتيم» ، والسائل قد تقدما على «لا» الناهية ، والعامل فيهما ما بعدهما ولا
__________________
(١) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٤٥٦) عن الكلبي وعزاه إلى عبد الرزاق وابن المنذر وأبي الشيخ.
وذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٣٠٨).
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٤٠٩) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٤٥٥ ـ ٤٥٦) وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم وأبي الشيخ وابن مردويه عن ابن عمر.
وذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٣٠٨) عن عمر.