ويقال : أكل فلان أكلة فأعقبته سقما ، وأعقبه الله خيرا ، والمعنى : أخلفهم في قلوبهم أي: صير عاقبة أمورهم النفاق ، وقيل : عاقبهم بنفاق في قلوبهم ، يقال : عاقبته وأعقبته بمعنى.
فصل
«فأعقبهم» فعل ، ولا بد من إسناداه إلى شيء تقدم ذكره ، والذي تقدم ذكره هو الله تعالى ، والمعاهدة والتصدق والصلاح والبخل والتولي والإعراض ، ولا يجوز إسناد إعقاب النفاق إلى المعاهدة أو التصدق أو الصلاح ، لأن هذه الثلاثة أعمال الخير ؛ فلا يجوز جعلها مؤثرة في حصول النفاق في القلب ؛ لأن النفاق عبارة عن الكفر ، وهو جهل وترك بعض الواجب لا يكون مؤثرا في حصول الجهل في القلب ؛ لأن ترك الواجب عدم ، والجهل وجود ، والعدم لا يكون مؤثرا في الوجود ؛ لأن البخل والتولي والإعراض ، قد يوجد في كثير من الفساق ، مع أنه لا يحصل معه النفاق ؛ ولأن هذا الترك لو أوجب حصول الكفر في القلب لأوجبه ، سواء كان هذا الترك جائزا شرعا أو محرما شرعا ؛ لأن سبب اختلاف الأحكام الشرعية لا يخرج المؤثر عن كونه مؤثرا ؛ ولأنه تعالى قال : (بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ) [التوبة : ٧٧] فلو كان فعل الإعقاب مسندا إلى البخل ، والتولي ، والإعراض لصار تقدير الآية : فأعقبهم ببخلهم وتوليهم وإعراضهم نفاقا في قلوبهم بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون ، وذلك لا يجوز ؛ لأنه فرق بين التولي وحصول النفاق في القلب بسبب التولي ، ومعلوم أنه كلام باطل ؛ فثبت بهذه الوجوه أنه لا يجوز إسناد الإعقاب إلى شيء من الأشياء المتقدم ذكراها إلا إلى الله تعالى ؛ فوجب إسناداه إليه ؛ فصار المعنى : أن الله تعالى هو الذي يعقب النفاق في قلوبهم ، وذلك يدل على أن خالق الكفر في القلوب هو الله تعالى ، وهذا هو الذي قاله الزجاج ، إن معناه : أنهم لما ضلوا في الماضي فهو تعالى أضلهم عن الدين في المستقبل ، ويؤكد ذلك قوله تعالى : (فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ) فالضمير في قوله : «يلقونه» عائد إلى الله تعالى فكان الأولى أن يكون قوله : «فأعقبهم» مسندا إلى الله تعالى.
قال القاضي «المراد من قوله : (فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ) أي : فأعقبهم العقوبة على النفاق وتلك العقوبة هي : حدوث الغم في قلوبهم وضيق الصدر وما ينالهم من الذّل والذنب ويدوم بهم ذلك إلى الآخرة». وهذا بعيد ؛ لأنه عدول عن الظّاهر من غير دليل فإن ذكروا دليلا عقليا ، قوبلوا بدليل عقلي. والله أعلم.
فصل
ظاهر الآية يدلّ على أنّ نقض العهد ، وخلف الوعد ، يورث النّفاق ، فيجب على المسلم الاحتراز عن ذلك ، ويجتهد في الوفاء. ومذهب الحسن البصري : أنّه يوجب