مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ (٨٣) وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ (٨٤) وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ)(٨٥)
قوله تعالى : (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ) الآية.
«بمقعدهم» متعلق ب «فرح» ، وهو يصلح لمصدر «قعد» ، وزمانه ومكانه.
قال الجوهريّ «قعد قعودا ومقعدا ، جلس ، وأقعده غيره» والمخلف : المتروك ، أي : خلفهم الله وثبطهم ، أو خلفهم رسول الله ـ عليه الصلاة والسّلام ـ والمؤمنون ، لمّا علموا تثاقلهم عن الجهاد والمراد ب «المقعد» ههنا المصدر ، أي ؛ بقعودهم وإقامتهم بالمدينة. وقال ابن عبّاس: يريد : المدينة ؛ فعلى هذا هو اسم مكان.
فإن قيل : إنّهم احتالوا حتى تخلّفوا عن رسول الله ؛ فكان الأولى أن يقال : فرح المتخلفون فالجواب من وجوه :
أحدها : أنّ الرسول عليه الصلاة والسّلام منع أقواما من الخروج معه لعلمه أنّهم يفسدون ويشوشون ، وكان هذا في غزوة تبوك ؛ فهؤلاء كانوا مخلّفين لا متخلّفين.
وثانيها : أنّ أولئك المتخلفين صاروا مخلفين في قوله بعد هذه الآية : (فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا) [التوبة : ٨٣] ، فلمّا منعهم الله من الخروج صاروا مخلفين.
وثالثها : أنّ من يتخلّف عن الرسول صلىاللهعليهوسلم بعد خروجه إلى الجهاد ، يوصف بأنّه مخلف من حيث إنّه لم ينهض ، وبقي وأقام.
قوله : «خلاف رسول الله» فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنّه منصوب على المصدر بفعل مقدر مدلول عليه بقوله «مقعدهم» ؛ لأنّه في معنى تخلّفوا ، أي : تخلّفوا خلاف رسول الله.
الثاني : أنّ «خلاف» مفعول من أجله ، والعامل فيه إمّا «فرح» ، وإمّا «مقعد» أي: فرحوا ؛ لأجل مخالفتهم رسول الله ، حيث مضى هو للجهاد ، وتخلّفوا هم عنه ، أو بقعودهم لمخالفتهم له ، وإليه ذهب الطبريّ ، والزجاج ، ومؤرّج ، وقطرب. ويؤيد ذلك قراءة من قرأ (١) «خلف» بضم الخاء وسكون اللّام.
والثالث : أن ينتصب على الظرف ، أي : بعد رسول الله ، يقال : أقام زيد خلاف القوم ، أي : تخلّف بعد ذهابهم.
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٦٦ ، البحر المحيط ٥ / ٨١ ، الدر المصون ٣ / ٤٨٧.