وقرأ عطاء بن السائب (١) الكوفي وعكرمة ، وابن السمينفع ، وأبو زيد «ينقضوكم» بالضاد المعجمة وهي على حذف مضاف ، أي : ينقضوا عهدكم ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه.
قال الكرماني : «وهي مناسبة لذكر العهد». أي : إن النقض يطابق العهد ، وهي قريبة من قراءة العامة ، فإن من نقض العهد فقد نقص من المدة ، إلا أن قراءة العامة أوقع لمقابلها التمام.
فصل
ومعنى قوله : (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) وهم بنو ضمرة حي من كنانة ، أمر الله رسوله بإتمام عهدهم إلى مدتهم ، وكان قد بقي من مدتهم تسعة أشهر وكان السبب فيه أنهم لم ينقضوا ، أي : لم ينقضوا شيئا من عهدهم الذي عاهدتموهم عليه ، (وَلَمْ يُظاهِرُوا) لم يعاونوا (عَلَيْكُمْ أَحَداً) من عدوكم ، (فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ) الذي عاهدتموهم عليه ، أي : أوفوا بعهدهم : (إِلى مُدَّتِهِمْ) إلى أجلهم الذي عاهدتموهم عليه (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) أي : إن هذه الطائفة لما اتقوا النقض ، ونكث العهد ، استحقوا من الله أن يصان عهدهم أيضا عن النقض والنكث.
قوله تعالى : (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥) وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (٦) كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)(٧)
قوله تعالى : (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ) الآية.
قال اللي ث «يقال سلخت الشهر : إذا خرجت منه». و «الانسلاخ» هنا من أحسن الاستعارات ، وقد بين ذلك أبو الهيثم ، فقال : «يقال : أهللنا شهر كذا ، أي : دخلنا فيه ، فنحن نزداد كل ليلة منه إلى مضي نصفه لباسا ، ثم نسلخه عن أنفسنا جزءا فجزءا إلى أن ينقضي وينسلخ» ؛ وأنشد : [الطويل]
٢٧٤٤ ـ إذا ما سلخت الشهر أهللت مثله |
|
كفى قاتلا سلخي الشهور وإهلالي (٢) |
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٧ ، البحر المحيط ٥ / ١١ ، الدر المصون ٣ / ٤٤٣.
(٢) البيت في تهذيب الأزهري ١٧ / ١٧١ واللسان [سلخ] وتفسير القرطبي ٨ / ٧٢ والبحر المحيط ٥ / ١١ ، والدر المصون ٣ / ٤٤٣.