تكون مستأنفة ، والعلم هنا يحتمل أن يكون على بابه ؛ فيتعدّى لاثنين ، أي : لا تعلمهم منافقين فحذف الثّاني للدلالة عليه بتقدّم ذكر المنافقين ؛ ولأنّ النفاق من صفات القلب ، لا يطلع عليه. وأن تكون العرفانية فتتعدّى لواحد ، قاله أبو البقاء. وأمّا (نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ) فلا يجوز أن تكون إلّا على بابها ، لما تقدّم في الأنفال ، وإن كان الفارسيّ في إيضاحه صرّح بإسناد المعرفة إليه تعالى ، وهو محذور لما تقدّم. قوله : (سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ) تقدّم الكلام في نصب (مَرَّةٍ) [التوبة : ١٣] ، وأنّه من وجهين ، إمّا المصدرية ، وإمّا الظرفية ، فكذلك هذا ، وهذه التثنية يحتمل أن يكون المراد بها شفع الواحد ، وعليه الأكثر ، واختلفوا في تفسيرها ، وألّا يراد بها التثنية الحقيقية ، بل يراد بها التّكثير ، كقوله تعالى : (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ) [الملك : ٤] ، أي : كرّات ، بدليل قوله : (يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ) [الملك : ٤] ، أي : مزدجرا ، وهو كليل ، ولا يصيبه ذلك إلّا بعد كرّات ، ومثله «لبّيك ، وسعديك ، وحنانيك».
وروى عياش (١) عن أبي عمرو «سنعذّبهم» بسكون الباء ، وهو على عادته في تخفيف توالى الحركات ك (يَنْصُرْكُمُ) [آل عمران : ١٦٠] وبابه ، وإن كان باب «ينصركم» أحسن تسكينا ، لكون الرّاء حرف تكرار ؛ فكأنه توالى ضمّتان ، بخلاف غيره ، وقد تقدّم تحريره.
وقال أبو حيّان : وفي مصحف أنس (٢) «سيعذّبهم» بالياء ، وقد تقدّم أنّ المصاحف كانت مهملة من النقط والضبط بالشكل ، فكيف يقال هذا؟!.
فصل
وأمّا اختلافهم في هذين العذابين : فقال السّديّ والكلبيّ : قام النبيّ صلىاللهعليهوسلم خطيبا يوم الجمعة فقال : «اخرج يا فلان فإنّك منافق اخرج يا فلان ...» فأخرج من المسجد ناسا ، وفضحهم ، فهذا هو العذاب الأول.
والثاني : عذاب القبر (٣). وقال مجاهد : الأول القتل والسبي ، والثاني عذاب القبر (٤) ، وعنه رواية أخرى عذّبوا بالجوع مرّتين (٥). وقال قتادة : بالدبيلة في الدّنيا ، وعذاب القبر (٦). وقال ابن زيد : الأولى المصائب في الأموال والأولاد في الدّنيا ،
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٩٨ ، الدر المصون ٣ / ٤٩٩.
(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٧٦ ، البحر المحيط ٥ / ٩٨ ، الدر المصون ٣ / ٤٩٩.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٤٥٧) عن السدي عن أبي مالك عن ابن عباس.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٤٨٦) من هذا الطريق وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم والطبراني في «الأوسط» وأبي الشيخ وابن مردويه وذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٣٢٣) عن الكلبي والسدي.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٤٥٦) وذكره البغوي (٢ / ٣٢٣).
(٥) انظر المصدر السابق.
(٦) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٣٢٣).