والأخرى عذاب القبر (١). وعن ابن عبّاس : الأولى إقامة الحدود عليهم ، والأخرى عذاب القبر (٢). وقال ابن إسحاق : هو ما يدخل عليهم من غيظ الإسلام ، ودخولهم فيه من غير حسبة ، ثم عذاب القبر (٣). وقيل : أحدهما ضرب الملائكة وجوههم ، وأدبارهم عند قبض أرواحهم ، ثم عذاب القبر ، وقيل : الأولى إحراق مسجدهم مسجد الضّرار ، والأخرى إحراقهم بنار جهنّم ثمّ يردّون إلى عذاب عظيم أي : عذاب جهنم يخلدون فيه وقال الحسن : الأولى أخذ الزكاة من أموالهم ، وعذاب القبر (٤).
قوله تعالى : (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ) الآية.
(وَآخَرُونَ) نسق على «منافقون» أي : وممّن حولكم آخرون ، أو من أهل المدينة آخرون. ويجوز أن يكون مبتدأ ، و «اعترفوا» صفته ، والخبر قوله : «خلطوا». قوله : «وآخر» نسق على «عملا». قال الزمخشريّ : «فإن قلت : قد جعل كلّ واحد منهما مخلوطا ، فما المخلوط به؟ قلت : كلّ واحد مخلوط ومخلوط به ؛ لأنّ المعنى : خلط كل واحد منهما بالآخر ، كقولك : خلطت الماء واللّبن ، تريد : خلطت كلّ واحد منهما بصاحبه. وفيه ما ليس في قولك: خلطت الماء باللّبن ؛ لأنّك جعلت الماء مخلوطا ، واللّبن مخلوطا به ، وإذا قلته بالواو جعلت الماء واللّبن مخلوطين ، ومخلوطا بهما ، كأنّك قلت : خلطت الماء باللبن ، واللبن بالماء». ثمّ قال «ويجوز أن يكون من قولهم : بعت الشّاة : شاة ودرهما ، بمعنى : شاة بدرهم».
قال شهاب الدّين : «لا يريد أنّ الواو بمعنى الباء ، وإنّما هذا تفسير معنى» وقال أبو البقاء (٥) : «ولو كان بالباء جاز أن تقول : خلطت الحنطة والشعير ، وخلطت الحنطة بالشّعير».
قوله : (عَسَى اللهُ) يجوز أن تكون الجملة مستأنفة ، ويجوز أن تكون في محلّ رفع خبرا ل «آخرون» ويكون قوله «خلطوا» في محلّ نصب على الحال ، و «قد» معه مقدّرة ، أي : قد خلطوا. فتلخّص في : «آخرون» أنّه معطوف على «منافقون» ، أو مبتدأ مخبر عنه ب «خلطوا» ، أو بالجملة الرجائية.
فصل
قيل : إنّهم قوم من المنافقين ، تابوا عن النّفاق ؛ لأنّه عطف على قوله (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٤٥٨) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٤٨٧) وعزاه إلى أبي الشيخ.
(٢) ذكره الطبري في «تفسيره» (٦ / ٤٥٨) والبغوي (٢ / ٣٢٣).
(٣) انظر المصدر السابق.
(٤) أخرجه الطبري (٦ / ٤٥٨) عن الحسن والبغوي في «تفسيره» (٢ / ٣٢٣) والرازي (١٦ / ١٣٨).
(٥) ينظر : الإملاء ٢ / ٢١.