الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ) والعطف يوهم التّشريك ، إلّا أنّه تعالى وفقهم للتوبة. وقيل : إنّهم قوم من المسلمين تخلّفوا عن غزوة تبوك ، كسلا ، لا نفاقا ، ثم ندموا على ما فعلوا وتابوا.
وروي أنهم كانوا ثلاثة : أبو لبابة مروان بن عبد المنذر ، وأوس بن ثعلبة ووديعة بن حزام. وروى عطية عن ابن عباس : كانوا خمسة ، أحدهم أبو لبابة (١). وقال سعيد بن جبير : كانوا ثمانية (٢). وقال قتادة والضحاك : كانوا سبعة. وقالو جميعا أحدهم أبو لبابة (٣). وقال قوم : نزلت في أبي لبابة خاصة ، وروي عن علي بن أبي طلحة عن ابن عبّاس : أنهم كانوا عشرة ، فسبعة منهم أوثقوا أنفسهم لمّا بلغهم ما نزل في المتخلفين ، فأوثقوا أنفسهم بسواري المسجد ، فقدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ودخل المسجد وصلى ركعتين ، وكانت عادته كلّما قدم من سفر ، فرآهم موثقين ، فسأل عنهم ؛ فقالوا : هؤلاء تخلّفوا عنك ، فعاهدوا الله ألا يطلقوا أنفسهم حتى يكون رسول اللهصلىاللهعليهوسلم يطلقهم ويرضى عنهم ، فقال : «وأنا أقسم أن لا أحلهم حتى أومر فيهم» ؛ فنزلت هذه الآية فأطلقهم وعذرهم ، فقالوا : يا رسول الله هذه أموالنا التي خلّفتنا عنك ، فتصدق بها عنّا وطهرنا ، فقا ل «ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئا» ؛ فنزل قوله : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً)(٤) [التوبة : ١٠٣] الآية.
والاعتراف : عبارة عن الإقرار بالشّيء عن معرفة ، ومعناه : أنّهم أقرّوا بذنبهم.
والعمل الصّالح : هو توبتهم واعترافهم بذنبهم وربطهم أنفسهم. والعمل السيّىء : هو تخلّفهم.
وقيل : العمل الصّالح : خروجهم مع الرّسول ـ عليه الصلاة والسّلام ـ إلى سائر الغزوات ، والعمل السيّىء : تخلفهم عن غزوة تبوك.
فصل
قالوا : إنّ الكلام ينزل على عرف النّاس ، فالسّلطان إذا التمس المحتاج منه شيئا ؛ فإنه لا يجيب إلّا بالتّرجي ب «لعل ، أو عسى» ، تنبيها على أنّه ليس لأحد أن يلزمني شيئا ؛ بل كل ما أفعله فإنما أفعله على سبيل التفضّل ، فهذا المعنى هو فائدة ذكر «عسى». والاعتراف بمجرّده لا يكون توبة ، إلّا إذا اقترن به النّدم على الماضي ، والعزم على تركه في المستقبل.
فصل
دلّت هذه الآية على عدم القول بالإحباط ، وأنّ الطّاعة تبقى موجبة للمدح
__________________
(١) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٦ / ١٣٩).
(٢) انظر : المصدر السابق.
(٣) المصدر السابق وأخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٤٦١).
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٤٦٠) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٤٨٧ ـ ٤٨٨) وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في «الدلائل».