والثّواب ، والمعصية تبقى موجبة للذّم والعقاب ؛ لأنّ قوله تعالى : (خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً) [التوبة : ١٠٢] يدلّ على أن كلّ واحد منهما يبقى كما كان من غير أن يتأثر أحدهما بالآخر ، لأنه وصفه بالاختلاط ، والمختلطان لا بد وأن يكونا باقيين حال اختلاطهما ، لأن الاختلاط صفة للمختلطين ، وحصول الوصف حال عدم الموصوف محال ؛ فدلّ على بقاء العملين حال الاختلاط.
فصل
قوله : (عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) يقتضي أنّ هذه التّوبة إنّما تحصل في المستقبل. وقوله: (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ) يدلّ على أنّ ذلك الاعتراف حصل في الماضي ، وذلك يدلّ على أن ذلك الاعتراف ما كان مقرونا بنفس التوبة ؛ بل كان مقدما على التوبة ، والتوبة إنما حصلت بعده.
قوله تعالى : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٠٣) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٠٤) وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٠٥) وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)(١٠٦)
قوله : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً) قال الحسن : هذا راجع إلى الذين تابوا ؛ لأنهم بذلوا أموالهم للصّدقة ؛ فأوجب الله تعالى أخذها ، وصار ذلك معتبرا في كمال توبتهم ، فتكون جارية مجرى الكفارة. وليس المراد منها الصدقة الواجبة ، وإنّما هي كفارة الذنب (١). وهذا بناء على القول بأنّهم ليسوا منافقين ، ويدلّ عليه قوله عليه الصلاة والسّلام : «ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئا» فلو كانت واجبة لم يقل ذلك. وأيضا روي أنه عليه الصلاة والسّلام : أخذ الثلث وترك الثلثين (٢). والواجبة ليست كذلك. وقيل : إنّ الزكاة كانت واجبة عليهم ، فلمّا تابوا عن تخلفهم عن الغزو ، وحسن إسلامهم ، وبذلوا الزكوات أمر الله رسوله أن يأخذها منهم. وهذا بناء على أنّهم كانوا منافقين.
وقيل : هذا كلام مبتدأ ، والمقصود منه إيجاب أخذ الزّكاة من الأغنياء ، وعليه أكثر الفقهاء ، واستدلّوا بقوله (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَة). فدلّ على أنّ المأخوذ بعض تلك الأموال لا كلها ؛ لأنّ «من» للتبعيض ، ثم إن مقدار ذلك البعض غير مصرّح به ، بل المصرح به قوله : «صدقة» ، وليس المراد منه التنكير حتى يكفي أخذ أيّ جزء كان ، وإن كان في غاية
__________________
(١) انظر : تفسير البغوي (٢ / ٣٢٤).
(٢) انظر : المصدر السابق. وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٤٨٨) وعزاه إلى البيهقي عن سعيد بن المسيب.