فصل
دلّت هذه الآية على أنّ الزّكاة تتعلّق بالأموال لا بالذّمة ، لقوله (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ) فلو مات أخذت من التّركة. وقال الشّافعيّ : إنّها تتعلّق بالذّمة ، فلو فرط حتى هلك النصاب ، وجبت الزّكاة ؛ لأنّ الذي هلك ما كان محلا للحق. ودلّت الآية أيضا على أنّ الزّكاة إنّما وجبت طهرة للآثام ؛ فلا تجب إلا على البالغ. وهو قول أبي حنيفة. وإذا قلنا : تتعلّق بالمال وجبت في مال الصّبي ، وفي مال المديون.
فصل
معنى التّطهّر ما روي أن الصدقة أوساخ النّاس ، فإذا أخذت الصدقة فقد اندفعت تلك الأوساخ ؛ فكان دفعها جاريا مجرى التّطهر. والتّزكية : مبالغة في التطهر ، وقيل : التّزكية بمعنى الإنماء ، وقيل : الصّدقة تطهرهم من نجاسة الذّنب والمعصية ، والرسول يزكيهم ، ويعظم شأنهم ويثني عليهم عند إخراجها إلى الفقراء. ولذلك يقول السّاعي له : آجرك الله فيما أعطيت ، وبارك لك فيما أبقيت ، وجعله لك طهورا.
قوله : (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ). قرأ الأخوان (١) ، وحفص «إنّ صلاتك» ، وفي هود (أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ) [هود : ٨٧] بالتّوحيد ـ والباقون «إن صلاتك» ، «أصلواتك» بالجمع فيهما ، وهما واضحتان ، إلّا أنّ الصلاة هنا : الدّعاء ، وفي تيك : العبادة. قال أبو عبيد : وقراءة الإفراد أولى ؛ لأنّ الصّلاة أكثر ، قال تعالى : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) [البقرة: ٤٣] والصلوات جمع قلّة ، تقول : ثلاث صلوات ، وخمس صلوات.
قال أبو حاتم : وهذا غلط ، لأنّ بناء الصلوات ليس للقلة ، قال تعالى : (ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ) [لقمان : ٢٧] ولم يرد التّقليل ، وقال : (وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ) [سبأ : ٣٧] ، وقال (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ) [الأحزاب : ٣٥]. والسّكن : الطمأنينة. وقال ابن عبّاس: رحمة لهم (٢). وقال أبو عبيدة : تثبيتا لقلوبهم ؛ ومن الطمأنينة قوله : [البسيط]
٢٨٤٤ ـ يا جارة الحيّ ألّا كنت لي سكنا |
|
إذ ليس بعض من الجيران أسكنني (٣) |
ف «فعل» بمعنى «مفعول» ، كالقبض بمعنى : المقبوض ، والمعنى : يسكنون إليها.
قال أبو البقاء : «ولذلك لم يؤنّثه». لكن الظّاهر أنّه هنا بمعنى «فاعل» ، لقوله : «لهم». ولو كان كما قال لكان التّركيب «سكن إليها» أي : مسكون إليها ، فقد ظهر أنّ المعنى : مسكّنة لهم.
__________________
(١) ينظر : السبعة ص (٣١٧ ـ ٣١٨) ، الحجة ٤ / ٢١٣ ، حجة القراءات ص (٣٢٢) ، إعراب القراءات ١ / ٢٥٢ ، إتحاف ٢ / ٩٧.
(٢) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٣٢٤).
(٣) ينظر البيت في البحر ٥ / ١٠٠ ، الدر المصون ٣ / ٥٠١ ، تفسير الماوردي ٢ / ١٦٣.