فصل
قال ابن عبّاس : معنى الصّلاة عليهم : أن يدعو لهم (١). وقال آخرون : معناه أن يقول لهم اللهمّ صلّ على فلان ، ونقل عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، أنّ آل أبي أوفى لمّا أتوه بالصّدقة قال : «اللهمّ صلّ على آل أبي أوفى» (٢).
واختلفوا في وجوب الدّعاء من الإمام عند أخذ الصدقة ، قال بعضهم : يجب. وقال بعضهم : يستحبّ. وقال بعضهم : يجب في صدقة الفرض ، ويستحب في التّطوع. وقيل : يجب على الإمام ، ويستحب للفقير أن يدعو للمعطي. ثم قال : (وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
قوله تعالى : (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ) الآية.
لمّا قال في الآية الأولى (عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) ولم يصرّح في قبول توبتهم ، صرّح في هذه الآية بأنه يقبل التّوبة عن عباده ، وأنّه يأخذ الصّدقات ، أي : يقبلها. قال أبو مسلم قوله: (أَلَمْ يَعْلَمُوا) وإن كان بصيغة الاستفهام ، إلّا أنّ المقصود منه التقرير في النّفس ، ومن عادة العرب في إفهام المخاطب ، وإزالة الشّك عنه أن يقولوا : أما علمت أنّ من علّمك يجب عليك خدمته ، أما علمت أنّ من أحسن إليك يجب عليك شكره ، فبشّر الله هؤلاء التّائبين بقبول توبتهم وصدقاتهم. ثم زاده تأكيدا بقوله : (هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ).
وقرأ الحسن (٣) بخلاف عنه «ألم تعلموا» قال أبو حيّان : «وفي مصحف (٤) أبيّ «ألم تعلموا» بالخطاب ، وفيه احتمالات ، أحدها : أن يكون خطابا للمتخلّفين الذين قالوا : ما هذه الخاصّيّة التي اختصّ بها هؤلاء؟ وأن يكون التفاتا من غير إضمار قول ، والمراد : التّائبون ، وأن يكون على إضمار قول ، أي : قل لهم يا محمد : ألم تعلموا».
قوله : (هُوَ يَقْبَلُ) «هو» مبتدأ ، و «يقبل» خبره ، والجملة خبر «أنّ» ، و «أنّ» وما في حيّزها سادة مسدّ المفعولين ، أو مسدّ الأول. ولا يجوز أن يكون «هو» فصلا ، لأنّ ما بعده لا يوهم الوصفيّة ، وقد تقدّم تحرير ذلك ، قوله : (عَنْ عِبادِهِ) متعلق ب «يقبل» وإنّما تعدّى ب «عن» فقيل : لأنّ معنى «من» ومعنى «عن» متقاربان.
قال ابن عطيّة (٥) : «وكثيرا ما يتوصّل في موضع واحد بهذه وبهذه ، نحو : «لا
__________________
(١) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٦ / ١٤٦).
(٢) أخرجه البخاري ٣ / ٤٢٣ ، كتاب الزكاة ، باب صلاة الإمام ودعائه لصاحب الصدقة (١٤٩٧ ، ٤١٦٦ ، ٦٣٣٢ ، ٦٣٥٩) ، ومسلم ٢ / ٥٦ ، كتاب الزكاة باب الدعاء لمن أتى بصدقته (١٧٦ ـ ١٧٨).
(٣) ينظر : الكشاف ٢ / ٣٠٨ ، المحرر الوجيز ٣ / ٧٩ ، البحر المحيط ٥ / ١٠٠ ، الدر المصون ٣ / ٥٠١.
(٤) ينظر : السابق.
(٥) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٧٩.