وقال الزمخشريّ : فإن قلت : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا) ما محلّه من الإعراب؟ قلت : محله النصب على الاختصاص ، كقوله تعالى : (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ) [النساء : ١٦٢]. وقيل : هو مبتدأ ، وخبره محذوف ، معناه : فيمن وصفنا الذين اتّخذوا ، كقوله : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ) [المائدة : ٣٨]. يريد على مذهب سيبويه فإنّ تقديره : فيما يتلى عليكم السارق ؛ فحذف الخبر ، وأبقى المبتدأ ، كهذه الآية.
قال القرطبي : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً) معطوف ، أي : ومنهم الذين اتّخذوا مسجدا ، عطف جملة على جملة.
قوله : «ضرارا» فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنّه مفعول من أجله ، أي : مضارّة لإخوانهم.
الثاني : أنّه مفعول ثان ل «اتّخذوا» قاله أبو البقاء.
الثالث : أنّه مصدر في موضع الحال من فاعل «اتخذوا» ، أي : اتخذوه مضارين لإخوانهم. ويجوز أن ينتصب على المصدريّة أي : يضرّون بذلك غيرهم ضرارا.
ومتعلقات هذه المصادر محذوفة ، أي : ضرارا لإخوانهم ، وكفرا بالله.
فصل
قال ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، وعامة المفسّرين : الذين اتّخذوا مسجد الضرار كانوا اثني عشر رجلا من المنافقين ، وديعة بن ثابت ، وخذام بن خالد ومن داره أخرج هذا المسجد ، وثعلبة بن حاطب ، وحارثة بن عامر ، وابناه مجمع وزيد بن حارثة ، ومعتب بن قشير وعباد بن حنيف أخو سهل بن حنيف ، وأبو حبيبة بن الأزهر ، ونبتل بن الحارث ، وبجاد بن عثمان ، ورجل يقال له : بحزج ، بنوا هذا المسجد ضرارا ، يعني مضارة للمؤمنين ، والضرار : محاولة الضّر ، كما أنّ الشقاق محاولة ما يشق (١). و «كفرا» قال ابن عباس : يريد به ضرارا للمؤمنين ، وكفرا بالنبي ـ عليه الصلاة والسّلام ـ ، وما جاء به. قال ابن عباس ، ومجاهد وقتادة وغيرهم : إنّ أبا عامر الرّاهب كان خرج إلى قيصر وتنصّر ، ووعدهم قيصر أنّه سيأتيهم ، فبنوا مسجد الضّرار يرصدون مجيئه فيه (٢). وقال غيرهم : اتخذوه ليكفروا فيه بالطّعن على النبيّ ـ عليه الصلاة والسّلام ـ. (وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ) أي : يفرقون بواسطته جماعة المؤمنين وذلك لأن المنافقين قالوا : نبني مسجدا فنصلّي فيه ؛ ولا نصلّي خلف محمّد ، فإن أتانا فيه صلينا خلفه وفرقنا بينه وبين الذين يصلون في مسجده ، فيؤدي ذلك إلى اختلاف الكلمة وإبطال الألفة.
وكان يصلّي لهم مجمع بن حارثة ، فلمّا فرغوا أتوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو يتجهّز إلى
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٤٧١) وذكره الرازي في «التفسير الكبير» (١٦ / ١٥٣).
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٤٧١) عن ابن عباس ومجاهد.