تبوك ، فقالوا يا رسول الله : إنّا بنينا مسجدا لذي العلّة والحاجة ، والليلة المطيرة ، والليلة الشاتية ، وإنّا نحب أن تأتينا تصلي لنا فيه ، وتدعو بالبركة ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنّي على جناح سفر ، ولو قدمنا إن شاء الله أتيناكم فصلينا لكم فيه».
فصل
قال القرطبيّ : «تفطّن مالك ـ رحمهالله ـ من هذه الآية وقال : لا يصلّي جماعتان في مسجد واحد بإمامين ، خلافا لسائر العلماء. وروي عن الشّافعي المنع ؛ لأنّ في ذلك تشتيتا للكلمة ، وإبطالا لهذه الحكمة ، وذريعة إلى أن نقول : من يريد الانفراد عن الجماعة كان له عذر فيقيم جماعة ، ويقدم إمامه فيقع الخلاف بينهم ، ويبطل الكلام وخفي ذلك عليهم».
قوله : (وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ).
الإرصاد : الانتظار ، قاله الزجاج : وقال ابن قتيبة : الانتظار مع العداوة. قالوا : والمراد به : أبو عامر الرّاهب ، وهو والد حنظلة غسيل الملائكة ، وكان قد ترهّب في الجاهليّة ، وتنصّر ولبس المسوح ، فلمّا قدم النبيّ ـ عليه الصلاة والسّلام ـ المدينة قال له أبو عامر : ما هذا الذي جئت به؟ قال : «جئت بالحنيفيّة دين إبراهيم» ، قال أبو عامر : أنا عليها ، فقال النبيّصلىاللهعليهوسلم «إنّك لست عليها» قال بلى ، ولكنك أدخلت في الحنيفيّة ما ليس منها ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم «ما فعلت ولكنّي جئت بها بيضاء نقيّة» فقال أبو عامر : أمات الله الكاذب طريدا وحيدا غريبا ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «آمين». وسمّاه أبا عامر الفاسق فلمّا كان يوم أحد ، قال أبو عامر لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : لا أجد قوما يقاتلونك إلّا قاتلتك معهم ؛ فلم يزل يقاتله إلى يوم حنين ، فلمّا انهزمت هوازن يئس ، وخرج هاربا إلى الشّام ، وأرسل إلى المنافقين أن استعدّوا بما استطعتم من قوّة وسلاح ، وابنوا لي مسجدا فإنّي ذاهب إلى قيصر ملك الرّوم ، فآتي بجند من الرّوم ، فأخرج محمّدا وأصحابه من المدينة فبنوا مسجد الضرار إلى جنب مسجد قباء ، فذلك قوله : (وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ) [التوبة : ١٠٧] وهو أبو عامر الفاسق ، ليصلي فيه إذا رجع من الشّام.
قوله : (مِنْ قَبْلُ) فيه وجهان :
أحدهما ـ وهو الذي لم يذكر الزمخشريّ غيره ـ : أنّه متعلق بقوله : «اتّخذوا» ، أي : اتّخذوا مسجدا من قبل أن ينافق هؤلاء.
والثاني : أنه متعلق ب «حارب» ، أي : حارب من قبل اتّخاذ هذا المسجد.
قوله : (وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا) «ليحلفنّ» جواب قسم مقدر ، أي : والله ليحلفنّ. وقوله (إِنْ أَرَدْنا) جواب لقوله : «ليحلفنّ» فوقع جواب القسم المقدر فعل قسم مجاب بقوله (إِنْ أَرَدْنا). و «إن» نافية ، ولذلك وقع بعدها «إلّا». و «الحسنى» صفة لموصوف محذوف،