لأن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ ما كان يشير بقوله (كَلامَ اللهِ) [التوبة : ٦] إلا إلى هذه الحروف والأصوات.
وقال آخرون : ثبت بهذه الآية أن كلام الله ليس إلا هذه الحروف والأصوات ، وثبت أن كلام الله قديم ، فوجب القول بقدم الحروف والأصوات.
وقال ابن فورك : «إنا إذا سمعنا هذه الحروف والأصوات ، فقد سمعنا مع ذلك كلام الله تعالى». وأنكروا عليه هذا القول ؛ لأن الكلام القديم ، إما أن يكون نفس هذه الحروف والأصوات ، وإما أن يكون شيئا آخر مغايرا لها.
والأول قول الزجاج ، وهو باطل ، لأن ذلك لا يليق بالعقلاء.
والثاني باطل ، لأنا على هذا التقدير ، لما سمعنا هذه الحروف والأصوات ، فقد سمعنا شيئا آخر يخالف ما هية هذه الحروف والأصوات لكنا نعلم بالضرورة أنا عند سماع هذه الحروف والأصوات لم نسمع شيئا آخر سواها ولم يدرك سمعنا شيئا مغايرا لها ، فسقط هذا الكلام.
والجواب عن كلام المعتزلة : أن يقال هذا الذي نسمعه ليس عين كلام الله على مذهبكم ؛ لأن كلام الله ، ليس الحروف والأصوات التي خلقها أولا ، بل تلك الحروف والأصوات انقضت ، وهذه التي نسمعها حروف وأصوات فعلها الإنسان ، فما ألزمتموه علينا فهو لا زم عليكم.
فصل
قال الفقهاء : إذا دخل الكافر الحربي دار الإسلام ، كان مغنوما مع ماله ، إلا أن يدخل مستجيرا لغرض شرعي ، كاستماع كلام الله رجاء الإسلام ، أو دخل لتجارة ، فإن دخل بأمان صبي أو مجنون ، فأمانهما شبهة أمان ؛ فيجب تبليغه مأمنه ، وهو أن يبلغ محروسا في نفسه وماله إلى مكانه الذي هو مأمن له ، ومن دخل منهم دار الإسلام رسولا ، فالرسالة أمان ، ومن دخل ليأخذ مالا له في دار الإسلام ، ولماله أمان ، فأمان ماله أمان له.
(كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ) الآية.
في خبر (يَكُونُ) ثلاثة أوجه :
أظهرها : أنه (كَيْفَ) ، و (عَهْدٌ) اسمها والخبر هنا واجب التقديم ، لاشتماله على ما له صدر الكلام ، وهو الاستفهام ، بمعنى الاستنكار ، كقولك : كيف يستفتى مثلك؟ أي : لا ينبغي أن يستفتى.
و (لِلْمُشْرِكِينَ) على هذا يتعلق إما ب (يَكُونُ) ، عند من يجيز في «كان» أن تعمل في الظرف وشبهه ، وإما بمحذوف ، على أنها صفة ل (عَهْدٌ) ، في الأصل ، فلما قدمت