كلّ تمكّن. وقيل : الفاعل ضمير «الرّيبة» ، أي : إلى أن تقطع الرّيبة قلوبهم وفي مصحف عبد اللّ ه «ولو قطعت» ، وبها قرأ أصحابه ، وهي مخالفة لسواد مصاحف الناس. والمعنى أنّ هذه الريبة باقية في قلوبهم أبدا ويموتون على النّفاق. وقيل : معناه إلّا أن يتوبوا توبة تنقطع بها قلوبهم ندما وأسفا على تفريطهم. وقيل : حتى تنشق قلوبهم غما وحسرة. (وَاللهُ عَلِيمٌ) بأحوالهم ، «حكيم» في الأحكام التي يحكم بها عليهم.
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١١١) التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (١١٢) ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (١١٣) وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (١١٤) وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١١٥) إِنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ)(١١٦)
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ) الآية.
لمّا شرح أحوال المنافقين ، عاد إلى بيان فضيلة الجهاد. قيل : هذا تمثيل كقوله تعالى (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى) [البقرة : ١٦] قال محمّد بن كعب القرظيّ : لمّا بايعت الأنصار رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليلة العقبة بمكّة وهم سبعون نفسا ، قال عبد الله بن رواحة : يا رسول الله اشترط لربّك ولنفسك ما شئت. فقال : «أشترط لربّي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ولنفسي أن تمنعوني ممّا تمنعون منه أنفسكم وأموالكم» قالوا : فإذا فعلنا ذلك فما لنا؟ قال : «الجنّة» قالوا ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل ، فنزل : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ)(١).
قال الحسن ، ومجاهد ، ومقاتل : «ثامنهم فأغلى ثمنهم» (٢).
قوله : (بِأَنَّ لَهُمُ) متعلق ب «اشترى» ، ودخلت الباء هنا على المتروك على بابها ،
__________________
(١) تقدم تخريجه.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٤٨٢) عن قتادة والحسن وذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٣٢٩) والرازي (١٦ / ١٥٨).