ـ عليه الصلاة والسّلام ـ في قدر تحصيل الآلات ، فلما بقوا مدة ظهر التواني والكسل ، فصح أن يقال : خلفهم الرسول.
وقيل : إنه حكى قصة أقوام وهم المرادون بقوله (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ) والمراد من كون هؤلاء مخلفين كونهم مؤخرين في قبول التوبة. قال كعب بن مالك ، وهو أحد الثلاثة : قول الله في حقنا (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا) ليس من تخلفنا إنّما هو تأخير رسول الله صلىاللهعليهوسلم أمرنا ؛ يشير إلى قوله (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ).
فصل
هؤلاء الثلاثة هم : كعب بن مالك الشّاعر ، وهلال بن أميّة الذي نزلت فيه آية اللعان ، ومرارة بن الرّبيع.
وفي قصتهم قولان :
الأول : أنّهم ذهبوا خلف الرّسول ـ عليه الصلاة والسّلام ـ ، قال الحسن : كان لأحدهم أرض ثمنها مائة ألف درهم فقال : يا أرضاه ما خلّفني عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلّا أمرك ؛ فاذهبي في سبيل الله ، فلأكابدن المفاوز حتى أصل إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وفعل ، وكان للثاني أهل فقال : يا أهلاه ما خلّفني عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلا أمرك ؛ فلأكابدن المفاوز حتّى أصل إليه وفعل. والثالث : ما كان ذا مال ولا أهل فقال : ما لي سبب إلا الضّن بالحياة ، والله لأكابدن المفاوز حتى أصل إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ؛ فلحقوا برسول الله صلىاللهعليهوسلم فنزل قوله (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ) [التوبة : ١٠٦].
والثاني ـ وهو قول الأكثرين ـ : أنهم ما ذهبوا خلف الرّسول ـ عليه الصلاة والسّلام ـ قال كعب : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يحب حديثي ، فلما أبطأت عليه في الخروج قال عليه الصلاة والسّلام : «ما الذي حبس كعبا» فلمّا قدم المدينة اعتذر المنافقون فعذرهم ، وأتيته فقلت : إن كراعي ، وزادي كان حاضرا ، واحتبست بذنبي ، فاستغفر لي فأبى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ذلك ، ثمّ إنّه ـ عليه الصلاة والسّلام ـ نهى عن مجالسة هؤلاء الثلاثة ، وأمر بمباينتهم ، حتى أمر بذلك نساءهم ؛ فضاقت عليهم الأرض بما رحبت وجاءت امرأة هلال بن أميّة وقالت : يا رسول الله لقد بكى ، حتّى خفت على بصره ، حتّى إذا مضى خمسون يوما أنزل الله تعالى : (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ) [التوبة : ١١٧] وقوله : (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا) فخرج رسول اللهصلىاللهعليهوسلم إلى حجرته ، وهو عند أمّ سلمة فقال : «الله أكبر ؛ قد أنزل الله عذر أصحابنا» فلمّا صلّى الفجر ذكر ذلك لأصحابه ، وبشرهم بأنّ الله تاب عليهم ؛ فانطلقوا إلى رسول اللهصلىاللهعليهوسلم ، فتلا عليهم ما نزل فيهم فقال كعب : توبتي إلى الله تعالى أن أخرج مالي صدقة فقال : «لا» فقلت : نصفه ، قال : «لا» ، قلت : فثلثه ، قال : «نعم».