استقيموا لهم ؛ لأنّهم لم يستقيموا لكم». ثم قال تعالى : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) أي : من اتقى الله فوفى بعهده لمن عاهده.
قوله تعالى : (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ (٨) اشْتَرَوْا بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٩) لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً وَأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ) (١٠)
قوله تعالى : (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً) الآية.
المستفهم عنه محذوف ، لدلالة المعنى عليه ، فقدّره أبو البقاء «كيف تطمئنون ، أو كيف يكون لهم عهد»؟ وقدّره غيره : كيف لا تقاتلونهم؟. والتقدير الثاني من تقديري أبي البقاء أحسن ؛ لأنّه من جنس ما تقدّم ، فالدلالة عليه أقوى.
وقد جاء الحذف في هذا التركيب كثيرا ، وتقدّم منه قوله تعالى : (فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ) [آل عمران : ٢٥] ، (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا) [النساء : ٤١] ؛ وقال الشاعر : [الطويل]
٢٧٥٢ ـ وخبّرتماني أنّما الموت في القرى |
|
فكيف وهاتا هضبة وكثيب (١) |
أي : كيف مات؟ وقال الحطيئة : [الطويل]
٢٧٥٣ ـ فكيف ولم أعلمهم خذلوكم |
|
على معظم ولا أديمكم قدّوا (٢) |
أي : كيف تلومونني في مدحهم؟.
قال أبو حيّان (٣) : «وقدّر أبو البقاء الفعل بعد «كيف» بقوله : «كيف تطمئنون» ، وقدّره غيره ب : كيف لا تقاتلونهم»؟.
قال شهاب الدّين (٤) : «ولم يقدره أبو البقاء بهذا وحده ، بل به ، وبالوجه المختار كما تقدّم منه».
قوله (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا) «كيف» تكرار ، لاستبعاد ثبات المشركين على العهد ، وحذف الفعل ، لكونه معلوما ، أي : كيف يكون لهم عهد وحالهم أنّهم إن يظهروا عليكم
__________________
(١) البيت لكعب بن سعد الغنوي من قصيدة يرثي بها أخاه ينظر : الكتاب ٣ / ٤٧٨ ، المقتضب ٢ / ٢٨٧ ، ٤ / ٤٧٧ شرح المفصل لابن يعيش ٣ / ١٣٦ الاصمعيات (٩٧) معاني الزجاج ٢ / ٤٣٣ الطبري ١٤ / ١٤٥ إعراب النحاس ٢ / ٢٠٤ البحر المحيط ٥ / ١٥ الدر المصون ٣ / ٤٤٦.
(٢) البيت في ديوانه (٤١) وينظر : المعاني للفراء ١ / ٤٢٤ والزجاج ٢ / ٤٣٣ البحر المحيط ٥ / ١٥ الدر المصون ٣ / ٤٤٦.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٥ / ١٥.
(٤) ينظر : الدر المصون ٣ / ٤٤٦.