فصل
دلّت هذه الآية على أنّ خبر الواحد حجة ، وأنّ كلّ ثلاثة فرقة ، وقد أوجب الله تعالى أن يخرج من كلّ فرقة طائفة ، والخارج من الثلاثة يكون اثنين ، أو واحدا ؛ فوجب أن تكون الطائفة إمّا اثنين أو واحدا ، ثم إنه تعالى أوجب العمل بأخبارهم ، لقوله (وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ) وهو عبارة عن أخبارهم. وقوله (لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) إيجاب على قومهم أن يعملوا بأخبارهم ، وذلك يقتضي أن يكون خبر الواحد أو الاثنين حجة في الشرع.
قال القاضي : «لا تدل الآية على وجوب العمل بخبر الواحد ؛ لأنّ الطائفة قد تكون جماعة يقع بخبرها الحجة ؛ ولأنّ قوله : (وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ) يصحّ وإن لم يجب القبول ، كما أنّ الشّاهد الواحد يلزمه الشهادة ، وإن لم يلزم القبول ؛ ولأن الإنذار يتضمّن التخويف ، وهذا العذر لا يقتضي وجوب العمل به».
والجواب : أنّا بينّا أنّ كل ثلاثة فرقة ، وقد أوجب الله أن يخرج من كل فرقة طائفة ؛ فلزم كون الطائفة إما اثنين أو واحدا ؛ فبطل كون الطائفة جماعة يحصل العلم بخبرهم ، فإن قيل : إنّه تعالى أوجب العمل بقول أولئك الطوائف ، فلعلهم بلغوا في الكثرة إلى حيث يحصل العلم بخبرهم.
فالجواب : أنه تعالى أوجب على كلّ طائفة أن يرجعوا إلى قومهم ، فاقتضى رجوع كل طائفة إلى قوم خاص ، ثم إنّه تعالى أوجب العمل بقول تلك الطائفة ، وهو المطلوب.
وأمّا قوله (وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ) يصحّ وإن لم يجب القبول ؛ فالجواب : أنّا لا نتمسّك في وجوب العمل بخبر الواحد بقوله : (وَلِيُنْذِرُوا) بل بقوله : (لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) فإنّه ترغيب منه تعالى في الحذر ، بناء على أن ذلك الإنذار يقتضي إيجاب العمل على وفق ذلك الإنذار.
فصل
الفقه معرفة أحكام الدّين ، وهو ينقسم إلى فرض عين ، وفرض كفاية ، ففرض العين مثل : علم الطهارة والصلاة والصوم ، فعلى كل مكلف معرفته ، قال عليه الصلاة والسّلام «طلب العلم فريضة على كلّ مسلم» (١) وكذلك كل عبادة أوجبها الشّرع على كل واحد يجب عليه معرفة علمها مثل : علم الزكاة إن كان له مال ، وعلم الحج إن وجب عليه.
وأما فرض الكفاية ، فهو أن يتعلم حتى يبلغ رتبة الاجتهاد ؛ فإذا قعد أهل بلد عن
__________________
(١) أخرجه ابن ماجه ١ / ٨١ ، المقدمة : باب فضل العلماء (٢٢٤).
قال في مصباح الزجاجة ١ / ٩٤ : هذا إسناد ضعيف لضعف حفص بن سليمان البزاز هذا فلقد اتهمه بعضهم بالكذب والوضع ، ولقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن الحديث يتقوى بطرق تبلغ إلى درجة الحسن ، فلقد قال السيوطي : رأيت له خمسين طريقا ولقد جمعتها في جزء.