تعلمه عصوا جميعا ، وإذا قام من كل بلد واحد بتعلمه سقط الفرض عن الآخرين ، وعليهم تقليده فيما يقع لهم من الحوادث ، قال عليه الصلاة والسّلام : «فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم» (١) ، وقال عليه الصلاة والسّلام «فقيه واحد أشدّ على الشّيطان من ألف عابد» (٢) وتقدم الكلام على حد الفقه في اللغة في سورة النساء عند قوله (لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) [النساء : ٧٨].
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (١٢٣) وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٤) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ (١٢٥) أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (١٢٦) وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (١٢٧) لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١٢٨) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ)(١٢٩)
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ) الآية.
نقل عن الحسن أنّه قال هذه الآية نزلت قبل الأمر بقتال المشركين كافة (٣). وأنكر المحقّقون هذا النسخ وقالوا : إنّه تعالى لمّا أمر بقتال المشركين كافة أرشدهم إلى الطّريق الأصلح وهو أن يبتدئوا من الأقرب ، فالاقرب ، منتقلا إلى الأبعد. ألا ترى أنّ أمر الدعوة وقع على هذا الترتيب قال تعالى : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) [الشعراء : ٢١٤] وأمر الغزوات وقع على هذا الترتيب ؛ لأنّه عليه الصلاة والسّلام حارب قومه أولا ، ثم انتقل إلى غزو سائر العرب ، ثم انتقل إلى غزو الشّام ، والصّحابة لمّا فرغوا من أمر الشّام دخلوا العراق. والعلّة في الابتداء بالأقرب وجوه:
أحدها : أنّ مقابلة الكل دفعة واحدة متعذّر ، والكلّ متساو في وجود القتال لما فيه من الكفر والمحاربة ، والجمع متعذّر ، والقرب مرجح ظاهر كما في الدعوة.
__________________
(١) أخرجه الترمذي ٥ / ٤٨ ، كتاب العلم : باب ما جاء في فضل الفقه (٢٦٨٥) ، وقال : هذا حديث غريب. والدارمي ١ / ٨٨ مرسلا وفي ١ / ٩٧ ـ ٩٨ مرفوعا.
(٢) أخرجه البخاري ١ / ٣١٤ كتاب الطهارة : باب الوضوء ثلاثا ثلاثا (١٦٠) ، ومسلم ١ / ٢٠٦ كتاب الطهارة : باب جامع الوضوء (٦ / ٢٢٧).
(٣) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٦ / ١٨١).