المذكورة في التوراة والإنجيل ، فحصول هذه الموافقة في هذه السورة موافقة للقصص لا يمكن إلا إذا خص الله محمدا بإنزال الوحي عليه ، وقال أبو مسلم : قوله «تلك» إشارة إلى حروف التهجيّ ، فقوله : (الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ) يعني : أنّ هذه الحروف هي الأشياء التي جعلت آيات وعلامات لهذا الكتاب الذي وقع به التّحدّي ، فلو لا امتياز هذا الكتاب عن كلام النّاس بالوصف المعجز ، وإلا لكان اختصاصه بهذا النظم دون سائر النّاس القادرين على التّلفّظ بهذه الحروف محالا.
قوله : (الْحَكِيمِ) قيل : ذو الحكمة ، بمعنى اشتمال الكتاب على الحكمة. وقيل : وصف الكتاب بصفة من تكلم به ؛ كقول الأعشى : [الكامل]
٢٨٦٣ ـ وغريبة تأتي الملوك حكيمة |
|
قد قلتها ليقال : من ذا قالها؟ (١) |
فيكون «فعيل» بمعنى «مفعل».
وقال الأكثرون : (الْحَكِيمِ) بمعنى الحاكم ، «فعيل» بمعنى «فاعل» ؛ لقوله تعالى (وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ) [البقرة : ٢١٣] وقيل : بمعنى : المحكم ، «فعيل» بمعنى «مفعل» ، أي : محكم ، والمحكم معناه : المنع من الفساد ، فيكون المعنى : لا تغيّره الدّهور ، والمراد : براءته عن الكذب والتناقض. وقال الحسن «حكم فيه بالعدل والإحسان ، وإيتاء ذي القربى ونهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ، وحكم فيه بالجنّة لمن أطاعه ، وبالنّار لمن عصاه» (٢).
فعلى هذا «الحكيم» يكون بمعنى المحكوم فيه. وقيل : «الحكيم» في أصل اللغة : عبارة عن الذي يفعل الحكمة والصواب ، فمن حيث إنّه يدل على هذه المعاني صار كأنّه هو الحكيم في نفسه.
قوله تعالى : (أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ)(٢)
قوله : (أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا) الهمزة للإنكار ، و (أَنْ أَوْحَيْنا) «أن» والفعل في تقدير المصدر وهو اسم «كان» ، و «عجبا» خبرها ، و «للنّاس» متعلّق بمحذوف على أنّه حال من «عجبا» لأنه في الأصل صفة له ، أو متعلّق ب «عجبا» ، ولا يضرّ كونه مصدرا ؛ لأنّه يتّسع في الظرف وعديله ما لا يتّسع في غيرهما. وقيل : لأنّ «عجبا» مصدر واقع موقع اسم الفاعل أو اسم المفعول ، ومتى كان كذلك جاز تقديم معموله. وقيل :
__________________
(١) ينظر البيت في ديوانه ص ٧٧ وخزانة الأدب ٤ / ٢٥٩ والدرر ١ / ٢٦٩ وشرح شذور الذهب ص ١٨٩ والهمع ١ / ٨٤ والتهذيب ٤ / ١١٤ والقرطبي ٨ / ١٩٥ والتفسير الكبير ١٧ / ٤ واللسان (حكم) والدر المصون ٤ / ٣.
(٢) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٨ / ١٩٥) عن الحسن وغيره.