هو متعلّق ب «كان» النّاقصة ، وهذا على رأي من يجيز فيها ذلك. وهذا مرتّب على الخلاف في دلالة «كان» النّاقصة على الحدث ، فإن قلنا : إنّها تدلّ على ذلك فيجوز وإلّا فلا. وقيل : هو متعلّق بمحذوف على التّبيين ، والتقدير في الآية : أكان إيحاؤنا إلى رجل منهم عجبا لهم. و «منهم» صفة ل «رجل».
وقرأ رؤبة (١) «رجل» بسكون الجيم ، وهي لغة تميم ، يسكّنون «فعلا» نحو : سبع وعضد.
وقرأ عبد الله (٢) بن مسعود «عجب». وفيه تخريجان ، أظهرهما : أنّها التّامة ، أي : أحدث للنّاس عجب و (أَنْ أَوْحَيْنا) متعلّق ب «عجب» على حذف لام العلّة ، أي : عجب ل (أَنْ أَوْحَيْنا) ، أو يكون على حذف «من» ، أي : من أن أوحينا. والثاني : أن تكون الناقصة ، ويكون قد جعل اسمها النّكرة وخبرها المعرفة ، على حدّ قوله : [الوافر]
٢٨٦٤ ـ ......... |
|
يكون مزاجها عسل وماء (٣) |
وقال الزمخشري (٤) : والأجود أن تكون التّامة و (أَنْ أَوْحَيْنا) : بدل من «عجب». يعني به بدل اشتمال أو كل من كل ، لأنه جعل هذا نفس العجب مبالغة ، والتخريج الثاني لابن عطيّة.
فصل
التعجّب : حالة تعتري الإنسان من رؤية شيء على خلاف العادة ، وسبب نزول هذه الآية : أنّ الله ـ تعالى ـ لمّا بعث محمّدا صلىاللهعليهوسلم رسولا ، تعجّب كفار قريش وقالوا : إنّ الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا ، فأنكر الله عليهم ذلك التعجّب ، أما بيان تعجبّهم من تخصيص محمّد بالرسالة فمن وجوه :
الأول : قوله تعالى : (وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ) [ص : ٤] إلى قوله : (إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ) [ص : ٥].
والثاني : أن أهل مكّة كانوا يقولون : إنّ الله تعالى ما وجد رسولا إلى خلقه إلا يتيم أبي طالب.
والثالث : أنهم قالوا : (لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) [الزخرف : ٣١] ؛ فأنكر الله عليهم هذا التعجّب بقوله (أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ) فلفظه استفهام ؛ ومعناه الإنكار لأن يكون ذلك عجبا ، والمراد ب «النّاس» : أهل مكة ، والألف فيه للتوبيخ.
فإن قيل : لم لم يقل : أكان عند الناس عجبا ، بل قال : (أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً)؟.
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ١٠٣ ، البحر المحيط ٥ / ١٢٦ ، الدر المصون ٤ / ٤.
(٢) ينظر : السابق.
(٣) تقدم برقم ١٨٢٩.
(٤) ينظر : الكشاف ٢ / ٣٢٧.