ألف بين همزتين. وأوّلت على أنه مقلوب قدّمت لامه وأخّرت عينه ، فوقعت الياء طرفا بعد ألف زائدة فقلبت همزة على حدّ «رداء» وأردية ، وإن شئت قلت : لمّا قلبت الكلمة صارت «ضياوا» بالواو ، عادت العين إلى أصلها من الواو لعدم موجب قلبها ياء وهو الكسر لسابقها ، ثم أبدلت الواو همزة على حدّ «كساء». وقال أبو البقاء : «إنّها قلبت ألفا ، ثمّ قلبت الألف همزة ، لئلّا تجتمع ألفان» ، واستبعدت هذه القراءة من حيث إنّ اللغة مبنيّة على تسهيل الهمز فكيف يتخيّلون في قلب الحرف الخفيف إلى أثقل منه؟ لا غرو في ذلك ، فقد قلبوا حروف العلّة الألف والواو والياء همزة في مواضع لا تحصر إلا بعسر ، إلّا أنه هنا ثقيل ؛ لاجتماع همزتين.
وأكثر النّاس على تغليط هذه القراءة ؛ لأنّ ياء «ضياء» منقلبة عن واو ، مثل : ياء قيام ، وصيام ، فلا وجه للهمزة فيها ، قال أبو شامة : «وهذه قراءة ضعيفة ، فإنّ قياس اللّغة الفرار من اجتماع همزتين إلى تخفيف إحداهما ، فكيف يتخيّل بتقديم وتأخير يؤدّي إلى اجتماع همزتين لم يكونا في الأصل؟ هذا خلاف حكم اللّغة».
وقال أبو بكر بن مجاهد ـ وهو ممّن قرأ على قنبل ـ : «قرأ ابن كثير وحده «ضئاء» بهمزتين في كل القرآن الهمزة الأولى قبل الألف ، والثانية بعدها ، كذلك قرأت على قنبل وهو غلط ، وكان أصحاب البزّي ، وابن فليح ينكرون هذا ويقرؤون «ضياء» مثل الناس».
قال شهاب الدّين (١) : «كثيرا ما يتجرّأ أبو بكر على شيخه ويغلّطه ، وسيمرّ بك مواضع من ذلك ، وهذا لا ينبغي أن يكون ، فإنّ قنبلا بالمكان الذي يمنع أن يتكلّم فيه أحد».
وقوله في جانب الشمس : «ضياء» ؛ لأنّ الضوء أقوى من النّور ، وقد تقدم ذلك أوّل البقرة و «ضياء ونورا» يحتمل أن يكونا مصدرين ، وجعلا نفس الكوكبين مبالغة ، كما يقال للكريم : إنه كرم وجود ، أو على حذف مضاف أي : ذات ضياء وذا نور ، و «ضياء» يحتمل أن يكون جمع «ضوء» كسوط وسياط ، وحوض وحياض.
قوله : «منازل» نصب على ظرف المكان ، وجعله الزمخشريّ على حذف مضاف : إمّا من الأول أي : قدّر مسيره ، وإمّا من الثاني أي : قدّره ذا منازل ، فعلى التقدير الأول يكون «منازل» ظرفا كما مرّ ، وعلى الثاني يكون مفعولا ثانيا على تضمين «قدّر» معنى صيّره ذا منازل بالتقدير ، وقال أبو حيّان ـ بعد أن ذكر التقديرين ، ولم يعزهما للزمخشري : أو قدّر له منازل ، فحذف وأوصل الفعل إليه ، فانتصب بحسب هذه التّقادير على الظّرف أو الحال أو المفعول ، كقوله : (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ) [يس : ٣٩] وقد سبقه إلى ذلك أبو البقاء.
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٤ / ٨.