الباء بمعنى اللّام أي : للحقّ ، ولا حاجة إليه ، والمعنى : لم يخلقه باطلا ، بل إظهارا لصنعته ، ودلالة على قدرته.
قوله : «يفصّل» قرأ ابن كثير (١) ، وأبو عمرو ، وأبو جعفر ، ويعقوب «يفصّل» بياء الغيبة جريا على اسم الله ـ تعالى ـ ، والباقون : بنون العظمة ، التفاتا من الغيبة إلى التّكلّم للتّعظيم.
ومعنى التّفصيل : هو ذكر هذه الدلائل الباهرة ، واحدة عقيب الأخرى مع الشّرح والبيان ، ثم قال (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) قيل : المراد منه : العقل الذي يعمّ الكل. وقيل : المراد منه تفكر وعلم فوائد مخلوقاته ، وآثار إحسانه ، لأنّ العلماء هم المنتفعون بهذه الدلائل ، كقوله (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها) [النازعات : ٤٥] مع أنه ـ عليه الصلاة والسّلام ـ كان منذرا للكلّ.
قوله تعالى : (إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) الآية.
اعلم أنّه تعالى استدلّ على التوحيد والإلهية.
أولا : بتخليق السموات والأرض.
وثانيا : بأحوال الشمس والقمر.
وثالثا : في هذه الآية بالمنافع الحاصلة من اختلاف الليل والنهار ، وقد تقدم تفسيره في سورة البقرة عند قوله : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ).
واعلم أنّ الحوادث الحادثة في هذا العالم أربعة أقسام :
أحدها : الأحوال الحادثة في العناصر الأربعة ، ويدخل فيها أحوال الرّعد والبرق والسّحاب والأمطار والثّلوج ، ويدخل فيها أحوال البحار ، وأحوال المدّ والجزر ، وأحوال الصّواعق والزّلازل والخسف.
وثانيها : أحوال المعادن وهي عجيبة كثيرة.
وثالثها : اختلاف أحوال النّبات.
ورابعها : اختلاف أحوال الحيوانات ، وكلّها داخلة في قوله : (وَما خَلَقَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ).
ثم قال : (لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ) خصّها بالمتّقين ؛ لأنّهم يحذرون العاقبة.
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ (٧) أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ)(٨)
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) الآية.
لمّا ذكر الدّلائل القاهرة على إثبات الإلهيّة ، وعلى صحّة القول بالمعاد ، والحشر ،
__________________
(١) ينظر : السبعة ص (٣٢٣) ، الحجة ٤ / ٢٥٢ ، حجة القراءات ص (٣٢٨) ، إعراب القراءات ١ / ٢٦١ ، إتحاف ٢ / ١٠٤.