و «أولئك» مبتدأ ، و «مأواهم» مبتدأ ثان ، و «النّار» خبر هذا المبتدأ الثاني ، والثاني وخبره خبر «أولئك» ، و «أولئك» وخبره خبر (إِنَّ الَّذِينَ) ، و (بِما كانُوا) متعلّق بما تضمّنته الجملة من قوله : (مَأْواهُمُ النَّارُ) والباء سببيّة ، و «ما» مصدرية ، وجيء بالفعل بعدها مضارعا دلالة على استمرار ذلك في كلّ زمان. وقال أبو البقاء : «إن الباء تتعلّق بمحذوف ، أي : جوزوا بما كانوا».
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٩) دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)(١٠)
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) الآية.
لمّا شرح أحوال المشركين ذكر أحوال المؤمنين ، قال القفال : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أي : صدقوا بقلوبهم ، ثم حقّقوا التّصديق بالعمل الصّالح الذي جاءت به الأنبياء من عند الله.
ثم ذكر بعد ذلك درجات كراماتهم فقال : (يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ) فقيل : يهديهم إلى الجنّة ثوابا على إيمانهم وأعمالهم الصّالحة ، ويدلّ عليه قوله ـ تعالى ـ : (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ) [الحديد : ١٢] ، وما روي أنّه ـ عليه الصلاة والسّلام ـ قال : «إنّ المؤمن إذا خرج من قبره صوّر له عمله في صورة حسنة ، فيقول له: أنا عملك ، فيكون له نورا وقائدا إلى الجنّة ، والكافر إذا خرج من قبره صوّر له عمله في صورة سيّئة ، فيقول له : أنا عملك ، فينطلق به حتّى يدخله النّار» (١) ، وقال مجاهد : المؤمن يكون له نور يمشي به إلى الجنّة (٢). قال ابن الأنباري : إيمانهم يهديهم إلى خصائص المعرفة ، ولوامع من النّور تشرق بها قلوبهم ، وتزول بواسطتها الشّكوك والشّبهات ، كقوله ـ تعالى ـ : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ) [محمد : ١٧] وهذه الفوائد يجوز حصولها في الدّنيا قبل الموت ، ويجوز حصولها في الآخرة بعد الموت ؛ قال القفال : وإذا حملنا الآية على هذا الوجه ؛ كان المعنى : يهديهم ربّهم بإيمانهم ، وتجري من تحتهم الأنهار ، إلّا أنّه حذف الواو ، وقيل : (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ) مستأنفا منقطعا عمّا قبله ، ويجوز أن يكون حالا من مفعول «يهديهم».
قوله تعالى : (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ) المراد : أن يكونوا جالسين على سرر
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٥٣٤) عن قتادة مرسلا وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٥٣٨) وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٥٣٤) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٥٣٨) وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٢٤٥).