٢٨٨١ ـ ووجه مشرق النّحر |
|
كأن ثدياه حقّان (١) |
وهذه الجملة التّشبيهيّة : في محلّ نصب على الحال من فاعل «مرّ» ، أي : مضى على طريقته ، مشبها من لم يدع إلى كشف ضرّ ، و «مسّه» صفة ل «ضرّ» ، وقيل : «مرّ» عن موقف الابتهال والتضرّع لا يرجع إليه ، ونسي ما كان فيه من الجهد والبلاء ، كأن لم يدعنا ، ولم يطلب منّا كشف ضرّه.
قوله : (كَذلِكَ زُيِّنَ) الكاف من «كذلك» في موضع نصب على المصدر ، أي : مثل ذلك التّزيين والإعراض عن الابتهال ، وفاعل «زيّن» المحذوف : إمّا الله ـ تعالى ـ ، وإمّا الشيطان ، و (ما كانُوا يَعْمَلُونَ) في محل رفع لقيامه مقام الفاعل ، و «ما» يجوز أن تكون مصدريّة ، وأن تكون بمعنى «الذي».
فصل
قال أبو بكر الأصم : سمّي الكافر مسرفا ؛ لأنّه ضيّع ماله ونفسه ، أمّا النّفس ، فإنه جعلها عبدا للوثن ؛ وأمّا المال ؛ فلأنهم كانوا يضيّعون أموالهم في البحيرة ، والسّائبة ، والوصيلة والحام.
وقيل : من كانت عادته كثرة التضرّع والدعاء ، عند نزول البلاء ، وعند زوال البلاء يعرض عن ذكر الله وعن شكره ، يكون مسرفا في أمر دينه ، وقال ابن الخطيب (٢) : «المسرف هو الذي ينفق المال الكثير ؛ لأجل الغرض الخسيس ، ومعلوم أنّ لذّات الدنيا وطيباتها خسيسة جدا ، في مقابلة سعادات الآخرة ، والله ـ تعالى ـ أعطى الحواسّ ، والعقل والفهم ، والقدرة ، لاكتساب السعادات العظيمة الأخرويّة ، فمن بذل هذه الآلات العظيمة الشريفة ؛ ليفوز بالسعادات الخسيسة ، كان قد أنفق أشياء عظيمة ؛ ليفوز بأشياء حقيرة ؛ فوجب أن يكون من المسرفين».
قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (١٣) ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (١٤) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥) قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٦) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ)(١٧)
قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ) الآية.
__________________
(١) تقدم.
(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ١٧ / ٤٣.