دلائل الله ـ تعالى ـ ، وكذّبوا بآيات الله ، وبمحمد صلىاللهعليهوسلم ، وبالقرآن ، ثم قال : (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ) أي : لا ينجو المشركون ، وهذا تأكيد لما سبق من هذين الكلامين.
قوله تعالى : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٨) وَما كانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)(١٩)
قوله تعالى : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ) الآية.
لمّا طلبوا تبديل القرآن ؛ لأنّه مشتمل على ذمّ الأصنام التي اتّخذوها آلهة ، ذكر في هذا الموضع قبح عبادة الأصنام ، ليبيّن تحقيرها.
قوله : (ما لا يَضُرُّهُمْ) : «ما» موصولة ، أو نكرة موصوفة ، وهي واقعة على الأصنام ، ولذلك راعى لفظها ، فأفرد في قوله (ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ) ، وراعى معناها فجمع في قوله : (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا).
فصل
المعنى : ما لا يضرّهم إن عصوه ، وتركوا عبادته ، ولا ينفعهم إن عبدوه ، يعني : الأصنام (وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) ، فقيل : إنّهم اعتقدوا أنّ المتولّي لكل إقليم ، روح معيّن من أرواح الأفلاك ، فعيّنوا لذلك الرّوح صنما معيّنا ، واشتغلوا بعبادة ذلك الصّنم ، ومقصودهم عبادة ذلك الرّوح ، ثم اعتقدوا أن ذلك الرّوح ، يكون عبدا للإله الأعظم ، ومشتغلا بعبوديّته.
وقيل : إنّهم كانوا يعبدون الكواكب ، فوضعوا لها أصناما معيّنة واشتغلوا بعبادتها ، ومقصودهم عبادة الكواكب ، وقيل : إنّهم وضعوا طلّسمات معينة على تلك الأوثان والأصنام ، ثم تقرّبوا إليها.
وقيل : إنّهم وضعوا هذه الأوثان والأصنام ، على صور أنبيائهم ، وأكابرهم ، وزعموا أنّهم متى اشتغلوا بعبادة هذه التماثيل ، فإنّ أولئك الأكابر تكون شفعاء لهم عند الله.
قوله : (قُلْ أَتُنَبِّئُونَ) قرأ بعضهم (١) : «أتنبئون» مخففا من «أنبأ» ، يقال : أنبأ ونبّأ كأخبر وخبّر ، وقوله : (بِما لا يَعْلَمُ) «ما» موصولة ، أو نكرة موصوفة كالتي تقدّمت ، وعلى كلا التقديرين ، فالعائد محذوف ، أي : يعلمه ، والفاعل هو ضمير الباري ـ تعالى ـ ، والمعنى : أتنبّئون الله بالمعنى الذي لا يعلمه إلّا الله ، وإذا لم يعلم الله شيئا ، استحال وجود ذلك الشيء ؛
__________________
(١) ينظر : إتحاف فضلاء البشر ٢ / ١٠٧ ، الكشاف ٢ / ٣٣٦ ، البحر المحيط ٥ / ١٣٨ ، الدر المصون ٤ / ١٥.