قوله : (وَإِذا أَذَقْنَا) شرطيّة ؛ جوابها «إذا» الفجائيّة في قوله : (إِذا لَهُمْ مَكْرٌ) ، والعامل في «إذا» الفجائيّة ؛ الاستقرار الذي في «لهم» ، وقد تقدّم الخلاف في «إذا» هذه ، هل هي حرف أو ظرف زمان على بابها ، أو ظرف مكان؟ قال أبو البقاء (١) : «وقيل : «إذا» الثانية زمانيّة أيضا ، والثانية وما بعدها جواب الأولى» ، وهذا الذي حكاه قول ساقط لا يفهم معناه.
فصل
معنى الآية : (وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ) يعني : الكفار (رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ) أي: راحة ورخاء من بعد شدة وبلاء.
وقيل : القطر بعد القحط ، «مسّتهم» أي : أصابتهم.
واعلم : أنّ رحمة الله لا تذاق بالفم ، وإنّما تذاق بالعقل.
وقوله (إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا) قال مجاهد : تكذيب واستهزاء (٢) ، وسمّي التكذيب مكرا ؛ لأنّ المكر عبارة عن صرف الشّيء عن ظاهره بطريق الحيلة ، وهؤلاء يحتالون لدفع آيات الله ـ سبحانه وتعالى ـ بكل ما يقدرون عليه من إلقاء الشّبهة ، أو التّخليط في المناظرة ، أو غير ذلك من الأمور الفاسدة.
وقال مقاتل : لا يقولون هذا من رزق الله ، إنّما يقولون سقينا بنوء كذا ، وهو كقوله : (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ)(٣) [الواقعة : ٨٢].
وقوله : (فِي آياتِنا) متعلق ب «مكر» ، جعل الآيات محلّا للمكر مبالغة ، ويضعف أن يكون الجارّ صفة ل «مكر».
قوله : (قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْراً) «أسرع» مأخوذ من «سرع» ثلاثيا ؛ حكاه الفارسي.
وقيل : بل من «أسرع» وفي بناء أفعل وفعلى التعجّب من «أفعل» ثلاثة مذاهب :
الجواز مطلقا.
المنع مطلقا.
التّفصيل : بين أن تكون الهمزة للتّعدية فيمتنع ، أو لا فيجوز. وقال بعضهم : «أسرع» هنا ليست للتفضيل. وهذا ليس بشيء ، إذ السّياق يردّه ، وجعله ابن عطيّة ـ أعني كون أسرع للتّفضيل ـ نظير قوله : «لهي أسود من».
قال أبو حيّان (٤) : «وأما تنظيره «أسود من القار» ب «أسرع» ففاسد ؛ لأنّ «أسود» ليس
__________________
(١) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ٢ / ٢٦.
(٢) أخرجه الطبري (٦ / ٥٤٣ ـ ٥٤٤) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٥٤٢) وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.
(٣) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٣٤٩).
(٤) ينظر : البحر المحيط ٥ / ١٤٠.