وقال الأزهري : «الذّمّة : الأمان». وفي الحديث : «ويسعى بذمّتهم أدناهم» (١).
قال أبو عبيد : «الذّمّة : الأمان ههنا ، يقول إذا أعطى أدنى الناس أمانا لكافر نفذ عليهم ، ولذلك أجاز عمر ـ رضي الله عنه ـ أمان عبد على جميع العسكر». وقال الأصمعي «الذّمّة : ما لزم أن يحفظ ويحمى».
قوله : «يرضونكم» فيه وجهان :
أحدهما : أنه مستأنف ، وهذا هو الظاهر ، أخبر أنّ حالهم كذلك.
والثاني : أنها في محلّ نصب على الحال من فاعل (لا يَرْقُبُوا).
قال أبو البقاء : «وليس بشيء ؛ لأنّهم بعد ظهورهم لا يرضون المؤمنين».
ومعنى الآية : يعطونكم بألسنتهم خلاف ما في قلوبهم.
قوله (وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ) يقال : أبى يأبى ، أي : اشتد امتناعه ، فكلّ إباء امتناع من غير عكس ، قال : [الطويل]
٢٧٦٧ ـ أبى الله إلّا عدله ووفاءه |
|
فلا النّكر معروف ولا العرف ضائع (٢) |
وقال آخر : [الطويل]
٢٧٦٨ ـ أبى الضّيم والنّعمان يحرق نابه |
|
عليه فأفضى والسّيوف معاقله (٣) |
فليس من فسّره بمطلق الامتناع بمصيب. ومجيء المضارع منه على «يفعل» بفتح العين شاذّ ، ومثله «قلى يقلى في لغة».
فصل
المعنى : (وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ) الإيمان (وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ) وفيه سؤالان :
السؤال الأول : أنّ الموصوفين بهذه الصفة كفار ، والكفر أقبح وأخبث من الفسق ، فكيف يحسن وصفهم بالفسق في معرض المبالغة؟.
السؤال الثاني : أنّ الكفار كلّهم فاسقون ، فلا يبقى لقوله (وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ) فائدة ،
__________________
(١) أخرجه أبو داود (٢٧٥١) وابن ماجة (٢٦٥٩) وأحمد (٢ / ١٩١ ، ١٩٢) وابن الجارود (٧٧١) والبيهقي (٨ / ٢٩) من طرق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا بلفظ : المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم. وله شاهد من حديث علي :
أخرجه أبو داود (٤٥٣٠) والنسائي (٨ / ٢٤) وأحمد (١ / ١٢٢) والطحاوي في «مشكل الآثار» (٢ / ٩٠) وفي «شرح المعاني» (٣ / ١٩٢) والبيهقي من طريق قتادة عن الحسن عن قيس بن عباد قال : انطلقت أنا والأشتر إلى علي فقلنا : هل عهد إليك رسول الله صلىاللهعليهوسلم في شيء لم يعهده للناس عامة قال : لا إلّا ما كان في كتابي هذا فأخرج كتابا من قراب سيفه فإذا فيه المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم ...
(٢) البيت للنابغة الذبياني ينظر : ديوانه (٨٢) معاهد التنصيص ١ / ٣٣١ والخزانة ٢ / ٤٦٨ البحر المحيط ٥ / ٦ والدر المصون (٣ / ٤٤٩).
(٣) تقدم.