فصل
قال ابن عبّاس : «الجنان سبع : دار الجلال ، ودار السّلام ، وجنّة عدن ، وجنّة المأوى ، وجنّة الخلد ، وجنّة الفردوس ، وجنّة النّعيم» (١).
ثم قال تعالى : (وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) : وهو الإسلام.
وروي عن عليّ بن أبي طالب ـ كرّم الله وجهه ـ قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : الصّراط المستقيم : كتاب الله (٢).
وقال قتادة ، ومجاهد : هو الحق (٣).
وقيل : رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وأبو بكر ، وعمر (٤).
واحتجّ أهل السّنّة : على أنّ الكفر والإيمان بقضاء الله ـ تعالى ـ ؛ لأنّه ـ تعالى ـ بيّن في هذه الآية ، أنّه دعا جميع الخلق إلى دار السّلام ، ثم بيّن أنّه ما هدى إلّا بعضهم ، فهذه الهداية الخاصّة ، يجب أن تكون مغايرة لتلك الدعوة العامّة ، ولا شكّ أنّ الإقدار ، والتمكين ، وإرسال الرّسل ، وإنزال الكتب أمور عامّة ، فوجب أن تكون الهداية الخاصّة مغايرة لكلّ هذه الأشياء ، وما ذاك إلّا أنّه ـ تعالى ـ خصّه بالعلم والمعرفة ، دون غيره.
وأجاب القاضي بوجهين :
الأول : أن المراد : ويهدي الله من يشاء ، إلى إجابة تلك الدّعوة ، أي : أنّ من أجاب الدّعاء ، وأطاع واتّقى ، فإنّ الله يهديه إليها.
والثاني : أن المراد بهذه الهداية الألطاف ، وأجيب عن هذين الوجهين ، بأنّ عندكم يجب على الله فعل هذه الهداية ، وما يكون واجبا ، لا يكون معلّقا بالمشيئة ، فامتنع حمله على ما ذكرتم.
قوله تعالى : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٦) وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ)(٢٧)
قوله تعالى : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) الآية.
لمّا دعا عباده إلى دار السّلام ، ذكر السّعادات الحاصلة لهم فيها ، فقال : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى) أي : أحسنوا العمل في الدّنيا ، فأتوا المأمورات ، واجتنبوا المنهيات.
__________________
(١) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٨ / ٢١٠).
(٢) انظر : المصدر السابق.
(٣) انظر : المصدر السابق.
(٤) انظر : المصدر السابق.