وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (١١) وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (١٢) أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣) قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (١٤) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٥) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ)(١٦)
قوله تعالى : (فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ).
لمّا بيّن تعالى حال من لا يرقب في الله إلّا ولا ذمّة ، وينقض العهد ، ويتعدّى ما حدّ له. بيّن بعده أنهم إن تابوا ، وأقاموا الصّلاة ، وآتوا الزكاة ، فهم : «إخوانكم (فِي الدِّينِ).
فإن قيل : المعلق على الشيء بكلمة «إن» عدم عند عدم ذلك الشيء ، فهذا يقتضي أنّه متى لم توجد هذه الثلاثة ، لا تحصل الأخوة في الدّين ، وهو مشكل ؛ لأنّه ربّما كان فقيرا ، أو كان غنيّا ، لكن قبل انقضاء الحول ، لا تلزمه الزكاة.
فالجواب : أنّه قد تقدّم في تفسير قوله تعالى : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ) [النساء: ٣١] أن المعلق على الشّيء بكلمة «إن» لا يلزم منه عدم ذلك الشّيء ، كذلك ههنا ، ومن النّاس من قال : إنّ المعلق على الشّيء بكلمة «إن» عدم عند عدم ذلك الشيء ، فها هنا قال: المؤاخاة بين المسلمين موقوفة على فعل الصلاة والزكاة جميعا ، فإنّ الله شرطها في إثبات المؤاخاة ، ومن لم يكن أهلا لوجوب الزكاة عليه ؛ وجب عليه أن يقرّ بحكمها فإذا أقرّ بهذا الحكم دخل في الشّرط الذي به تجب الأخوة.
قوله : فإخوانكم خبر مبتدأ محذوف ، أي : فهم إخوانكم ، والجملة الاسمية في محلّ جزم على جواب الشرط ، وفي الدّين متعلّق ب «إخوانكم» لما فيه من معنى الفعل.
فصل
قال أبو حاتم «قال أهل البصرة أجمعون : الإخوة في النّسب ، والإخوان في الصّداقة». وهذا غلط ، يقال للأصدقاء وغير الأصدقاء إخوة ، وإخوان ، قال الله تعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات : ١٠] ولم يعن النّسب ، وقال تعالى : (أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ) [النور : ٦١] وهذا في النسب.
قال ابن عبّاس : «حرمت هذه الآية دماء أهل القبلة» (١) ومعنى قوله : «فإخوانكم»
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٣٢٨) وذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٢٧١) والرازي في «التفسير الكبير» (١٥ / ١٨٦).