عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ (٢٩) هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ)(٣٠)
قوله ـ تعالى ـ : (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً) الآية.
«يوم» منصوب بفعل مقدّر ، أي : خوّفهم ، أو ذكرهم يوم ، والضمير عائد على الفريقين أي : الذين أحسنوا ، والذين كسبوا. و «جميعا» : حال ، ويجوز أن يكون تأكيدا ، عند من عدّها من ألفاظ التّأكيد.
قوله : «مكانكم» اسم فعل ، ففسّره النحويّون ب «اثبتوا» فيحمل ضميرا ، ولذلك أكّد بقوله : «أنتم» ، وعطف عليه «شركاؤكم» ؛ ومنه قول الشاعر : [الوافر]
٢٨٩٦ ـ وقولي كلّما جشأت وجاشت |
|
مكانك تحمدي أو تستريحي (١) |
أي : اثبتي ، ويدلّ على ذلك جزم جوابه ، وهو «تحمدي» ، وفسّره الزمخشري : ب «الزموا» قال : «مكانكم ، أي : الزموا مكانكم ، لا تبرحوا حتى تنظروا ما يفعل بكم».
قال أبو حيّان (٢) : وتقديره له ب «الزموا» ليس بجيّد ، إذ لو كان كذلك ؛ لتعدّى كما يتعدّى ما ناب هذا عنه ، فإنّ اسم الفعل يعامل معاملة مسمّاه ، ولذلك لمّا قدّروا «عليك» ، بمعنى : «الزم» عدّوه تعديته نحو : عليك زيدا.
قال شهاب الدّين (٣) «فالزمخشري قد سبق بهذا التّفسير ، والعذر لمن فسّره بذلك ، أنه قصد تفسير المعنى» ، قال الحوفي : «مكانكم نصب بإضمار فعل ، أي : الزموا مكانكم أو اثبتوا». وكذلك فسره أبو البقاء ، فقال : «مكانكم» ظرف مبنيّ ؛ لوقوعه موقع الأمر ، أي : «الزموا».
وهذا الذي ذكره من كونه مبنيّا ، فيه خلاف للنحويين : منهم من ذهب إلى ما ذكر ، ومنهم من ذهب إلى أنّها حركة إعراب ، وهذان الوجهان مبنيان على خلاف في أسماء الأفعال هل لها محلّ من الإعراب أو لا؟ فإن قلنا لها محلّ ، كانت حركات الظرف حركات إعراب ، وإن قلنا لا موضع لها ، كانت حركات بناء ، وأمّا تقديره : ب «الزموا» ، فقد تقدّم جوابه. قوله : «أنتم» فيه وجهان :
__________________
(١) البيت لقطري بن الفجاءة أو لعمرو بن الإطنابة. ينظر : إنباه الرواة ٣ / ٢٨١ وحماسة البحتري ص ٩ والحيوان ٦ / ٤٢٥ وجمهرة اللغة ص ١٠٩٥ وخزانة الأدب ٢ / ٤٢٨ والدرر ٤ / ٨٤ وديوان المعاني ١ / ١١٤ وسمط اللآلي ص ٥٧٤ وشرح التصريح ٢ / ٢٤٣ وشرح شواهد المغني ص ٥٤٦ والمقاصد النحوية ٤ / ٤١٥ وأوضح المسالك ٤ / ١٨٩ والخصائص ٣ / ٣٥ وشرح الأشموني ٣ / ٥٦٩ وشرح شذور الذهب ص ٤٤٧ ، ٥٢٤ وشرح المفصل ٤ / ٧٤ واللسان (جشأ) والمغني ١ / ٢٠٣ والهمع ٢ / ١٣ والدر المصون ٤ / ٢٧.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٥ / ١٥٣.
(٣) ينظر : الدر المصون ٤ / ٢٧.