«ميّت وسيّد» في : ميوت وسيود ، وعلى هذا فهو من مادة الواو ، وإلى هذا ذهب ابن قتيبة ، وتبعه أبو البقاء.
وقال مكّي (١) : «ولا يجوز أن يكون فعّلنا من زال يزول ؛ لأنّه يلزم في الواو فيكون زوّلنا». وهذا صحيح ، وقد تقدّم تحرير ذلك في قوله : (أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ) [الأنفال : ١٦].
وردّ أبو حيّان كونه «فيعل» ، بأنّ «فعّل» أكثر من «فيعل» ؛ ولأنّ مصدره التّزييل ، ولو كان «فيعل» ، لكان مصدره «فيعلة» كبيطرة ؛ لأن «فيعل» ملحق «بفعلل» ، ولقولهم في معناه : «زايل» ، ولم يقولوا : «زاول» ، بمعنى : «فارق» ، إنّما قالوه بمعنى : «حاول وخالط» ، وحكى الفرّاء : «فزايلنا» ، وبها قرأت (٢) فرقة ، قال الزمخشري : «مثل صاعر خدّه ، وصعّره ، وكالمته وكلّمته». يعني : أنّ «فاعل» بمعنى : «فعّل» ، و «زايل» بمعنى : «فارق».
قال : [الطويل]
٢٨٩٧ ـ وقال العذارى : إنّما أنت عمّنا |
|
وكان الشّباب كالخليط يزايله (٣) |
وقال آخر : [الطويل]
٢٨٩٨ ـ لعمري لموت لا عقوبة بعده |
|
لذي البثّ أشفى من هوى لا يزايله (٤) |
أي : يفارقه.
وقوله ـ تعالى ـ : «فزيّلنا» ، و «قال» هذان الفعلان ماضيان لفظا ، مستقبلان معنى ؛ لعطفهما على مستقبل ، وهو (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ) ، وهما نظير قوله ـ تعالى ـ : (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ) [هود : ٩٨]. و «إيّانا» : مفعول مقدم ، قدّم للاهتمام به والاختصاص ، وهو واجب التّقديم على ناصبه ؛ لأنّه ضمير منفصل ، لو تأخّر عنه ، لزم اتّصاله ، وقد تقدّم الكلام على ما بعد هذا من «كفى» المخففة ، واللّام التي بعدها ، بما يغني عن الإعادة. [البقرة ١٩٨].
فصل
المعنى (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ) العابد والمعبود ، ثمّ إن المعبود يتبرّأ من العابد ، ويتبيّن له أنّه ما فعل ذلك بعلمه وإرادته ، ونظيره قوله ـ تعالى ـ : (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا) [البقرة : ١٦٦] ، وقوله : (ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ) [سبأ : ٤٠].
و «الحشر» : الجمع من كل جانب إلى موقف واحد (ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ) أي : الزموا مكانكم (وَشُرَكاؤُكُمْ) يعنى : الأوثان ، حتّى تسألوا ، (فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ)
__________________
(١) ينظر : المشكل ١ / ٣٨٠.
(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ٣٤٤ ، المحرر الوجيز ٣ / ١١٧ ، البحر المحيط ٥ / ١٥٤ ، الدر المصون ٤ / ٢٨.
(٣) البيت لزهير بن أبي سلمى ، ينظر : ديوانه ٦٨ والبحر المحيط ٥ / ١٥٤ ، والدر المصون ٤ / ٢٨.
(٤) ينظر البيت في البحر المحيط ٥ / ١٥٤ والدر المصون ٤ / ٢٨.