أي : فهم إخوانكم (فِي الدِّينِ) لهم ما لكم ، وعليهم ما عليكم ، قال ابن مسعود «أمرتم بالصّلاة والزكاة فمن لم يزك فلا صلاة له» (١).
وروى أبو هريرة قال : لمّا توفي رسول الله صلىاللهعليهوسلم وكان أبو بكر ، وكفر من كفر من العرب فقال عمر : كيف تقاتل النّاس ، وقد قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يقولوا لا إله إلّا الله ، فمن قالها فقد عصم منّي ماله ونفسه إلّا بحقّها وحسابه على الله». فقال : والله لأقاتلنّ من فرّق بين الصلاة والزكاة ، فإن الزكاة حق المال ، والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم لقاتلتهم على منعه ، قال عمر : «فو الله ما هو إلّا أن شرح الله صدر أبي بكر للقتال ، فعرفت أنه الحقّ» (٢).
قوله (وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) قال الزمخشريّ : وهذا اعتراض واقع بين الكلامين ، والمقصود : الحث والتحريض على تأمل ما فصل من أحكام المشركين المعاهدين وعلى المحافظة عليها.
قوله (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ) نقضوا عهودهم ، «الأيمان» جمع «يمين» بمعنى : الحلف. (مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ) عقدهم. يعني : مشركي قريش. قال الأكثرون : المراد : نكثهم لعهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقيل : المراد : حمل العهد على الإسلام ، ويؤيده قراءة من قرأ «وإن نكثوا إيمانهم» بكسر الهمزة والأول أولى ، للقراءة المشهورة ؛ ولأنّ الآية وردت في ناقضي العهد ، وقوله : (وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ) أي : عابوه ، وهذا دليل على أنّ الذّمّي إذا طعن في دين الإسلام ظاهرا لا يبقى له عهد.
قوله (فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ) أي : متى فعلوا ذلك فافعلوا هذا. قرأ نافع (٣) وابن كثير وأبو عمرو «أئمّة» بهمزتين ثانيتهما مسهّلة بين بين ، ولا ألف بينهما.
والكوفيون (٤) وابن ذكوان عن ابن عامر بتحقيقها ، من غير إدخال ألف بينهما ، وهشام كذلك ، إلّا أنّه أدخل بينهما ألفا ، هذا هو المشهور بين القراء السبعة ، وفي بعضها كلام يأتي إن شاء الله تعالى ، ونقل أبو حيان عن نافع ومن معه ، أنّهم يبدلون الثانية ياء صريحة ، وأنّه قد نقل عن نافع المدّ بينهما ، أي : بين الهمزة والياء. فأمّا قراءة التحقيق ، وبين بين ، فقد ضعّفها جماعة من النحويين ، كأبي علي الفارسي ، وتابعيه ، ومن القرّاء أيضا من ضعّف التّحقيق مع روايته له وقراءته به لأصحابه ، ومنهم من أنكر التسهيل بين بين ، فلم يقرأ به لأصحاب التخفيف ، وقرءوا بياء خفيفة الكسر ، نصّوا على ذلك في
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٣٢٨) وذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٢٧١).
(٢) تقدم.
(٣) ينظر : السبعة ص (٣١٢) ، الحجة ٤ / ١٦٧ ـ ١٧٦ ، حجة القراءات ص (٣١٥) ، إعراب القراءات ١ / ٢٣٥ ، النشر ١ / ٣٧٨ ، إتحاف ٢ / ٨٧.
(٤) انظر السابق.