حتى في لعب الصبيان بالكجّة ، وقال ابن الأعرابي : «الكجّة هي : أن يأخذ الصبيّ خرقة ، فيدورها كأنّها كرة ثم يتقامرون بها».
قوله : (كَذلِكَ حَقَّتْ) : الكاف في محلّ نصب ، نعتا لمصدر محذوف ، والإشارة بذلك إلى المصدر المفهوم من «تصرفون» ، أي : مثل صرفهم عن الحقّ ، بعد الإقرار به ، في قوله ـ تعالى ـ : (فَسَيَقُولُونَ اللهُ) ، وقيل إشارة إلى الحقّ. قال الزمخشري : «كذلك : مثل ذلك الحقّ حقّت كلمة ربّك». قوله : (أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) فيه أربعة أوجه :
أحدها : أنّها في محلّ رفع ؛ بدلا من «كلمة» ، أي : حقّ عليهم انتفاء الإيمان.
الثاني : أنّها في محلّ رفع ، خبرا لمبتدأ محذوف ، أي : الأمر عدم إيمانهم.
الثالث : أنّها في محلّ نصب ، بعد إسقاط الحرف الجارّ.
الرابع : أنّها في محلّ جرّ ، على إعماله محذوفا ، إذ الأصل : لأنّهم لا يؤمنون.
قال الزمخشري : «أو أراد بالكلمة : العدة بالعذاب ، و (أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) تعليل ، أي: لأنّهم» ، وهذا إنباء على مذهبهم. وقرأ أبو عمرو (١) ، وابن كثير ، والكوفيون : «كلمات» بالجمع ، وكذا في آخر السورة [يونس : ٩٦] ، وتقدّم ذلك في الأنعام ، وقرأ ابن أبي عبلة (٢) : «إنهم لا يؤمنون» بكسر «إنّ» على الاستئناف ، وفيها معنى التّعليل ، وهذا يقوّي الوجه الصّائر إلى التّعليل.
فصل
احتجّ أهل السنة بهذه الآية : على أنّ الكفر بقضاء الله ، وإرادته ؛ لأنه ـ تعالى ـ أخبر عنهم قطعا أنّهم لا يؤمنون ، فلو آمنوا ، لكان إمّا أن يبقى ذلك الخبر صدقا ، أو لا ، والأوّل باطل ؛ لأنّ الخبر بأنّه لا يؤمن ، يمتنع أن يبقى صدقا حال ما يوجد الإيمان. والثاني باطل ؛ لأنّ انقلاب خبر الله ـ تعالى ـ كذبا محال ، فثبت أنّ صدور الإيمان منهم محال ، والمحال لا يكون مرادا ، فثبت أنّه ـ تعالى ـ ما أراد الإيمان من هذا الكافر ، وأنّه أراد الكفر منه.
ثم نقول إن كان قوله : (فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) يدلّ على صحّة مذهب القدريّة ، فهذه الآية الموضوعة بجنبه تدلّ على فساده ، وقد كان الواجب على الجبّائيّ مع قوة خاطره ، حين استدلّ بتلك الآية على صحّة قوله ، أن يذكر هذه الحجّة ، ويجيب عنها حتى يحصل مقصوده ، والمراد ب «الكلمة» : حكمه السّابق على الذين فسقوا ، أي : كفروا.
__________________
(١) ينظر : السبعة ص (٣٢٦) ، الحجة ٤ / ٢٧٢ ـ ٢٧٣ ، حجة القراءات ص (٣٣١) ، إعراب القراءات ١ / ٢٦٧ ، إتحاف ٢ / ١٠٩.
(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ١١٨ ، البحر المحيط ٥ / ١٥٦ ، الدر المصون ٤ / ٣٠.