قوله تعالى : (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٣٤) قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٥) وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ)(٣٦)
قوله ـ تعالى ـ : (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) الآية. هذه هي الحجّة الثانية عليهم.
فإن قيل : القوم كانوا منكرين الإعادة ، والحشر ، والنشر ، فكيف احتجّ عليهم بذلك؟.
فالجواب : أنّه ـ تعالى ـ قدّم في هذه السورة ما يدلّ عليه ، وهو وجوب التمييز بين المحسن والمسيء ، وهذه الدّلالة دلالة ظاهرة قويّة ، لا يمكن للعاقل دفعها ؛ فلأجل قوّتها ، وظهورها تمسّك بها ، سواء الخصم عليها ، أو لا.
فإن قيل : لم أمر رسوله أن يعترف بذلك ، والإلزام إنّما يحصل لو اعترف الخصم به؟.
فالجواب : أنّ الدّليل لمّا كان ظاهرا جليّا ، فإذا أورد على الخصم في معرض الاستفهام ، كأنّه بنفسه يقول : الأمر كذلك ، فكان هذا تنبيها ، على أنّ هذا الكلام بلغ في الوضوح ، إلى حيث لا حاجة فيه إلى إقرار الخصم به ، وأنّه سواء أقرّ ، أو أنكر ، فالأمر متقرّر ظاهر.
قوله : (قُلِ اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ) : هذه الجملة جواب لقوله : (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ،) وإنّما أتى بالجواب جملة اسمية ، مصرّحا بجزأيها ، معادا فيها الخبر ، مطابقا لخبر اسم الاستفهام ؛ للتأكيد ، والتّثبيت ، ولمّا كان الاستفهام قبل هذا ، لا مندوحة لهم عن الاعتراف به ، جاءت الجملة محذوفا منها أحد جزأيها ، في قوله : (فَسَيَقُولُونَ اللهُ) ، ولم يحتج إلى التّأكيد بتصريح جزأيها.
فصل
قال القرطبيّ : ومعنى الآية : (هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ) ينشئه من غير أصل ، ولا سبق مثال ، (ثُمَّ يُعِيدُهُ) : يحييه بعد الموت كهيئته ، فإن أجابوك ، وإلّا ف (قُلِ اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) ، ثم قال : (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) أي : تصرفون عن قصد السّبيل ، والمراد: التّعجّب منهم في الدّنيا من هذا الأمر الواضح الذي دعاهم الهوى والتّقليد إلى مخالفته ؛ لأنّ الإخبار عن كون الأوثان آلهة كذب ، وإفك : الاشتغال بعبادتها ، مع أنّها لا تستحق العبادة أيضا إفك.
قوله تعالى : (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِ) الآية.