فالجواب من وجوه :
الأول : مذهب الشافعي : أنّ الإيمان عبارة عن مجموع الاعتقاد ، والإقرار ، والعمل ، والشّك إنّما هو في هذه الأعمال ، هل هي موافقة لأمر الله ـ تعالى ـ؟ والشّك في أحد أجزاء الماهيّة ، لا يوجب الشّك في تمام الماهيّة.
الثاني : أنّ الغرض من قوله : إن شاء الله ، بقاء الإيمان عند الخاتمة.
الثالث : الغرض منه هضم النّفس وكسرها.
قوله تعالى : (وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٣٧) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٨) بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (٣٩) وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (٤٠) وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (٤١) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ (٤٢) وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ (٤٣) إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (٤٤)
قوله ـ تعالى ـ : (وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللهِ) الآية.
لمّا تقدّم قول القوم : (وَيَقُولُونَ لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) [يونس : ٢٠] ، وذكروا ذلك ؛ لاعتقادهم ؛ أنّ القرآن ليس بمعجز ، وأنّ محمدا أنّما أتى به من عند نفسه ؛ افتعالا ، واختلاقا ، وذكر ـ تعالى ـ أجوبة كثيرة عن هذا الكلام ، وامتدّت تلك البيانات إلى هذا الموضع ، بيّن ـ تعالى ـ هنا : أنّ إتيان محمّد ـ عليه الصلاة والسّلام ـ بهذا القرآن ، ليس هو افتراء على الله ـ تعالى ـ ، وإنّما هو وحي نازل عليه من عند الله ، وأنّه مبرّأ عن الافتعال ، والافتراء ، ثم احتجّ على صحّة هذا الكلام ، بقوله : (قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ) [يونس : ٣٨].
قوله : (أَنْ يُفْتَرى) : فيه وجهان :
أحدهما : أنّه خبر «كان» ، تقديره : وما كان هذا القرآن افتراء ، أي : ذا افتراء ، إذ جعل نفس المصدر مبالغة ، أو يكون بمعنى : مفترى.
والثاني : زعم بعضهم : أنّ «أن» هذه هي المضمرة بعد لام الجحود ، والأصل : وما كان هذ القرآن ليفترى ، فلمّا حذفت لام الجحود ، ظهرت «أن» ، وزعم : أنّ اللّام ، و «أن» يتعاقبان ، فتحذف هذه تارة ، وتثبت الأخرى ، وهذا قول مرغوب عنه ، وعلى هذا