لمّا وصف الكفار بقلة الإصغاء ، وترك التدبّر ؛ أتبعه بالوعيد ، فقال : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ). «يوم» منصوب على الظرف ، وفي ناصبه أوجه :
أحدها : أنّه منصوب بالفعل الذي تضمّنه قوله : (كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا).
الثاني : أنّه منصوب ب «يتعارفون».
الثالث : أنّه منصوب بمقدر ، أي : اذكر يوم.
وقرأ الأعمش (١) ، وحفص عن عاصم : «يحشرهم» بياء الغيبة ، والضمير لله تعالى لتقدم اسمه في قوله : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ).
قوله : (كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا) تقدّم الكلام على «كأن» هذه ، وهي المخفّفة من الثّقيلة ، والتقدير : كأنّهم لم يلبثوا ؛ فخفّف ، كقوله : وكأن قد ، ولكن اختلفوا في محلّ هذه الجملة على أوجه :
أحدها : أنها في محلّ نصب صفة للظرف ، وهو «يوم» ، قاله ابن عطية.
قال أبو حيان : «لا يصحّ ؛ لأن يوم يحشرهم معرفة والجمل نكرات ، ولا تنعت المعرفة بالنّكرة ، لا يقال : إنّ الجمل التي يضاف إليها أسماء الزّمان نكرة على الإطلاق ؛ لأنّها إن كانت في التقدير تنحلّ إلى معرفة ، فإنّ ما أضيف إليها يتعرّف ، وإن كانت تنحلّ إلى نكرة ، كان ما أضيف إليها نكرة ، تقول : «مررت في يوم قدم زيد الماضي» ، فتصف «يوم» بالمعرفة ، و «جئت ليلة قدم زيد المباركة علينا» ، وأيضا : فكأن لم يلبثوا ، لا يمكن أن يكون صفة لليوم من جهة المعنى ، لأنّ ذلك من وصف المحشورين ، لا من وصف يوم حشرهم. وقد تكلّف بعضهم تقدير رابط يربطه ، فقدره : «كأن لم يلبثوا قبله» ، فحذف «قبله» ، أي : قبل اليوم ، وحذف مثل هذا الرّابط لا يجوز».
قال شهاب الدّين : قوله : «بعضهم» ، هو مكّي بن أبي طالب ؛ فإنّه قال : «الكاف وما بعدها من «كأن» صفة لليوم ، وفي الكلام حذف ضمير يعود على الموصوف ، تقديره : كأن لم يلبثوا قبله ؛ فحذف «قبله» ، فصارت الهاء متّصلة ب «يلبثوا» ، فحذفت لطول الاسم كما تحذف من الصّلات» ، ونقل هذا التقدير أيضا : أبو البقاء ، ولم يسمّ قائله ، فقال : «وقيل» ، فذكره.
والوجه الثاني : أن تكون الجملة في محلّ نصب على الحال ، من مفعول «يحشرهم» أي : يحشرهم مشبهين بمن لم يلبث إلّا ساعة ، هذا تقدير الزمخشري ، وممّن جوّز أيضا الحاليّة : ابن عطيّة ، ومكّيّ ، وأبو البقاء ، وجعله بعضهم هو الظّاهر.
الوجه الثالث : أن تكون الجملة نعتا لمصدر محذوف ، والتقدير : يحشرهم حشرا ،
__________________
(١) ينظر : إتحاف فضلاء البشر ٢ / ١١١ ، المحرر الوجيز ٣ / ١٢٣ ، البحر المحيط ٥ / ١٦٢ ، الدر المصون ٤ / ٣٦.