كأن لم يلبثوا ، ذكر ذلك ابن عطيّة ، وأبو البقاء ، ومكّي ، وقدّر مكّي ، وأبو البقاء : العائد محذوفا ، كما قدّراه حال جعلهما الجملة صفة لليوم ، وقد تقدّم ما في ذلك.
الرابع : قال ابن عطيّة (١) : «ويصحّ أن يكون قوله : (كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا) كلاما مجملا» ولم يبيّن الفعل الذي يتضمّنه (كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا) ، قال أبو حيّان (٢) : «ولعلّه أراد ما قاله الحوفيّ ؛ من أنّ الكاف في موضع نصب ، بما تضمّنته من معنى الكلام ، وهو السّرعة». انتهى.
قال : «فيكون التقدير : ويوم يحشرهم يسرعون كأن لم يلبثوا» ، فيكون «يسرعون» : حالا من مفعول «يحشرهم» ، ويكون (كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا) : حالا من فاعل «يسرعون» ، ويجوز أن تكون (كَأَنْ لَمْ) : مفسّرة ل «يسرعون» المقدّرة.
فصل
قال الضحّاك : كأن لم يلبثوا في الدنيا ، إلّا ساعة من النّهار (٣) ، وقال ابن عبّاس : كأن لم يلبثوا في قبورهم ، إلّا قدر ساعة من النّهار (٤) ، قال القاضي : الأول أولى ، لوجهين :
أحدهما : أنّ حال المؤمنين كحال الكافرين : في أنّهم لا يعرفون مقدار لبثهم بعد الموت إلى وقت الحشر ؛ فيجب أن يحمل ذلك على أمر يختصّ به الكفار ؛ وهو أنّهم لمّا لم ينتفعوا بعمرهم استقلّوه ، والمؤمن لمّا انتفع بعمره ؛ فكأنّه لا يستقلّه.
الثاني : أنّه قال : (يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ) والتّعارف إنّما يضاف إلى حال الحياة ، لا إلى حال الموت ، وفي سبب هذا الاستقلال وجوه :
الأول : قال أبو مسلم : إنّهم لمّا ضيّعوا أعمارهم في طلب الدنيا ، والحرص على لذّاتها ؛ لم ينتفعوا بعمرهم ألبتّة ، فكان وجود ذلك العمر كالعدم كما تقدّم ؛ فلهذا استقلوه ، ونظيره قوله ـ تعالى ـ : (وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ) [البقرة : ٩٦].
الثاني : قال الأصمّ : إنّهم لمّا شاهدوا أهوال الآخرة وعظمها ، عظم خوفهم ، فنسوا أمور الدّنيا ، والإنسان إذا عظم خوفه ، نسي الأمور الظّاهرة.
الثالث : قلّ عندهم مقامهم في الدّنيا ، في جنب مقامهم في الآخرة.
الرابع : قلّ عندهم في الدنيا ؛ لطول وقوفهم في الحشر.
قوله : «يتعارفون» فيه أوجه :
أحدها : أنّ الجملة في محلّ نصب على الحال من فاعل «يلبثوا».
قال الحوفيّ : «يتعارفون» : فعل مستقبل في موضع الحال من الضّمير في «يلبثوا» ،
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ١٢٣.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٥ / ١٦٢.
(٣) انظر : تفسير القرطبي (٨ / ٢٢٢).
(٤) ينظر : المصدر السابق.