وهو العامل ، كأنّه قال : متعارفين ، والمعنى : اجتمعوا متعارفين.
والثاني : أنها حال من مفعول «يحشرهم» أي : يحشرهم متعارفين ، والعامل فعل الحشر ، وعلى هذا فمن جوّز تعدّد الحال ، جوّز أن تكون (كَأَنْ لَمْ) : حالا أولى ، وهذه حال ثانية ، ومن منع ذلك ، جعل (كَأَنْ لَمْ) على ما تقدم من غير الحاليّة.
قال أبو البقاء : «وهي حال مقدرة ؛ لأنّ التعارف لا يكون حال الحشر».
والثالث : أنّها مستأنفة ؛ أخبر ـ تعالى ـ عنهم بذلك.
قال الزمخشري (١) : «فإن قلت : كأن لم يلبثوا إلّا ساعة» ، و «يتعارفون» كيف موقعهما؟.
قلت : أمّا الأولى : فحال منهم ، أي : يحشرهم مشبهين بمن لم يلبث إلّا ساعة.
وأمّا الثانية : فإمّا أن تتعلّق بالظرف ـ يعني فتكون حالا ـ ، وإمّا أن تكون مبينة لقوله : (كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً ؛) لأنّ التّعارف لا يبقى مع طول العهد ، وينقلب تناكرا».
فصل
في هذا التّعارف وجوه :
الأول : يعرف بعضهم بعضا كما كانوا في الدّنيا.
الثاني : يعرف بعضهم بعضا بما كانوا عليه من الخطأ والكفر ، ثم تنقطع المعرفة إذا عاينوا العذاب ، وتبرّأ بعضهم من بعض.
فإن قيل : كيف توافق هذه الآية قوله : (وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً) [المعارج : ١٠].
فالجواب من وجهين :
أحدهما : أنّهم يتعارفون بينهم بتوبيخ بعضهم بعضا ؛ فيقول كل فريق للآخر : أنت أضللتني يوم كذا ، وزيّنت لي الفعل القبيح الفلاني ، فهو تعارف توبيخ ، وتباعد ، وتقاطع ، لا تعارف عطف ، وشفقة.
وأما قوله : (وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً) فهو سؤال رحمة ، وعطف.
والثاني : أنّ تحمل هاتين الآيتين على حالتين ؛ وهو أنّهم يتعارفون إذا بعثوا ثم تنقطع المعرفة ؛ فلذلك لا يسأل حميم حميما.
قوله : (قَدْ خَسِرَ) فيها وجهان :
أحدهما : أنّها مستأنفة ، أخبر ـ تعالى ـ بأنّ المكذّبين بلقائه خاسرون لا محالة ؛ ولذلك أتى بحرف التّحقيق ، ويكون هذا شهادة عليهم من الله بالخسران ، والمعنى : أنّه من باع آخرته بدنياه ، فقد خسر ؛ لأنّه أعطى الشّريف الباقي ، في أخذ الخسيس الفاني.
__________________
(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٣٤٩.